|


د. حافظ المدلج
الشفافية
2010-06-05
تقرأون المقال وأنا في يومه الأول في "جنوب أفريقيا"، وتحديداً في كبرى المدن "جوهانسبرج"، حيث يعقد اليوم اجتماع "اللجنة العليا المنظمة لكأس العالم" والتي أتشرف بعضويتها، ومن السابق لأوانه أن أكتب مقالات انطباعية عن كأس العالم أو البلد التي تستضيف المونديال، ولكنني أريد إثارة بعض المياه الراكدة لذلك سأكتب عن أحد أهم الموضوعات التي تشغل بالي وهي "الشفافية".
"الشفافية" تعني كشف جميع الأوراق والأرقام أمام الجميع ليمارس الكل دوره الرقابي على الوقائع التي تعرض بوضوح، وفي ذلك تأكيد للوظيفة الرابعة من الوظائف الأساسية للإدارة (التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة)، ولذلك أسعدتني جنوب أفريقيا وهي تكشف للعالم تكاليف بناء الملاعب الرياضية الرائعة التي ستستضيف أهم حدث كروي نهاية الأسبوع. وقد أدهشني مجلس النواب في جنوب أفريقيا وهو يعترض على ميزانية إنشاء تلك الملاعب، مما تسبب في تأخير العمل سنة كاملة كادت تعصف بآمالهم في تنظيم المونديال، ولكن الأزمة انتهت وتم اعتماد المبالغ التي أعلن عنها، فكانت التكلفة الإجمالية لسبعة ملاعب جديدة ستحتضن المونديال قرابة ربع مليار دولار.
"الشفافية" تعني إزالة الشكوك وقطع الطريق على الإشاعات بحيث لا نفتح المجال لمن تعجب من فارق التكلفة بين تلك الملاعب وملعب الملك عبدالله الدولي في جدة، حيث طالعتنا إحدى الصحف بخبر يفيد بأن تكلفة ملعبنا عشرة مليارات دولار، بمعنى أنها تكفي لإقامة ثمانية وعشرين ملعباً دولياً بحسابات جنوب أفريقيا، ليأتي توضيح الجهات المعنية متأخراً بعض الشيء، فمن تناقل خبر الرقم الصاعق أكثر بكثير من عدد المطلعين على تصحيح الخبر. وبالتأكيد فإن إعلان الأرقام الحقيقية وتفاصيل المشروع في مؤتمر إعلامي أو بيان رسمي مبكر، كان سيقطع الطريق على من يحاول الصيد في مياه المال العام.
"الشفافية" تعني تضييق الخناق على من يحاول العبث بالمال المخصص لأي مشروع، ولازلت أضرب لطلابي نفس المثل البسيط، حيث أضع قارورة الماء على الطاولة أمام أعين الجميع وأسألهم: هل يستطيع أحد أن يشرب منها بالطرق المشروعة أو غير المشروعة دون أن يعلم الجميع بذلك؟، فتكون الإجابة قطعية بنفي حدوث ذلك، فأقول لهم: هذا هو الحال في وجود "الشفافية"، ثم أخفي الماء تحت الطاولة أو في زاوية بعيدة عن العيون، وأكرر نفس السؤال: فيهز الطلاب رؤوسهم مقتنعين بإمكانية الوصول للماء والأخذ منه دون علم أحد، وهو ما يحدث عند غياب "الشفافية".
"الشفافية" تعني تلبية نداء خادم الحرمين الشريفين الداعي للإصلاح الإداري، والحاجة لها تزداد يوماً بعد يوم، ولكي نحقق طموحات مليكنا المفدى يجب أن تلغى البنود السرية وتعم "الشفافية" في جميع التعاملات الإدارية والمالية: فهل توافقني عزيزي القارئ أم أن لك رأياً آخر؟.. وعلى منصات الشفافية نلتقي.