|


راشد بن جعيثن
محمد .. إنسانية اجتماعية ورياضية
2011-08-26
“إنّا لله وإنّا إليه راجعون”.. الحمد لله على قضائه وقدره، بعد سماع الخبر رددت ما يردده كل مسلم في مثل هذا القدر المحتوم.. كانت الدهشة مسيطرة على التحكم في ما أملكه دائماً من حواس، ولعل هذا الخبر لأحداث متقاربة كان أشد وطأة، أوراق وطنية وإنسانية تساقطت من غصون خريف العمر.. الأمير خالد بن يزيد والشيخ عبدالرحمن بن سعيد والأمير محمد العبدالله الفيصل، وقلت للحزن: لك الحق أن تداهم كل ممتلكات الحواس والمشاعر؛ وما أنا فيه أن الخطب جليل والفقيد له مساس بشؤون كثيرة في الحياة.. والحزن على هذا الأمير النبيل كتبت عنه قبل ما يقارب عقدين من الزمان قصيدة عندما أصر قلبه الحنون على أن يجعله ضيفاً من ضيوف المستشفى بالرياض؛ قصيدة كان مطلعها يقول: “من يوم قالوا لي محمد بالأنعاش”.. وبعد نشر القصيدة في اليمامة واختفى الأمير محمد، كنت في مجلس الأمير عبدالله الفيصل شاعر الشباب أسكنه الله فسيح جناته وسمعها مني.. وكان للحزن في عيونه مكانة لم تتوار عن العيون.. وذلك أزعجني كثيراً.
ولكن سبق السيف العذل.. وعلم بذلك -أسكنه الله فسيح جناته- وقال: “أنت ملقوف! كان ما قلتها له.. وبعد ذلك كتمت أنفاس القصيدة.. وعند نجاح الأمير محمد بقيادة الأهلي كان الأمير يسر بذلك عندما تتحدث عنه.. وما أنا إلا من شمله بعطفه وكرمه شاعر الشباب الأمير عبدالله الفيصل، وتلك العلاقة تمكنني دائماً من الحديث مع الأمير محمد العبدالله الذي قدم لباكورة إنتاجي كتابي صدى الأشواق بقوله في مقطع من المقدمة: “خير ما نفعله مع الشعراء أن نحبهم وأن نحاول جاهدين أن نفهم عشقيهم وأن نسمعهم لنعرف كيف تصبح الكلمة الموزونة تعبيراً عن الجميلـ، وكيف يستحيل الجميل المحبوب إلى كلمة هي نغم”.
في الحقيقة عشقت نفسي وشعري بعد هذا الكلام الجميل خاصة أنني واحد من بين طلاب مدرسة عبدالله الفيصل وقلت: هل وصلت إلى مرتبة شاعر؟! مقدمة كانت الوقود الحي للاستمرارية.. ولعل في الحديث عن ذلك ما يخفف الألم من فقد شاعر وإنسان كتب لنا ما يساعد على التفاعل مع أحداث الجدول اليومي في قصائده.. موقف من المواقف العديدة لذكريات كان أولها حزن وآخرها ألم!.
على مدار هذا العمر لم أجد حقاً من يصافح الإنسانية تحت غطاء غير مكشوف، قاصداً ذلك برغبة يستميت لتحقيقها.. ولأنني حلقة وصل بين من أعرفهم من الأمراء وعامة الشعب، أجدني مضطراً للكتابة لهذا وذاك ومن أثق في ظروفهم المادية والمعنوية، وكان الأمير محمد واحداً من بين هؤلاء الأمراء، وخاصة بعدما انتقل إلى جوار ربه الأمير عبدالله الفيصل.. وكان الأمر أكثر إلحاحاً، ولكنه لا يرد سائلاً سأل بصمت العطاء.. وذات مرة كتبت ظروف واحدٍ من بين الرياضيين الذين تطاولوا على النادي الأهلي، وكنت لا أعلم بذلك واستدعاني الأمير محمد في مكتبه وطلب مني قراءة ما كتب هذا الصحفي.. وفي الحقيقة كنت أكثر خجلاً، ولكنه بعدما فرغت من القراءة، قدم له مساعدة كبيرة وطلب مني وألحّ على ذلك، وقال قل من رجل آخر.. وفي الحقيقة خرجت من مكتبه والدموع ملء المآقي.. هذا جانب من جوانب عديدة تسمح للحزن أن يجتاح مشاعري.. وعندما كان في الرياض لا أستطيع حصر المواقف الإنسانية للأمير محمد العبدالله في منزل عامر بالأدب والشعر والحديث عن الطيور والمقناص وثقافة المجتمع السعودي والتطلع إلى الأفضل.. إنها أيام وليالٍ ومواقف لا تنسى، ها هي بيننا تقف شامخة تعانق السحاب وما طال من الجبال.. وكما قال عنه الشاعر عبدالله بن عون:
لا يـــا بعــــد نــاسٍ تكبــر عــلــى ويــــش
لا شــــافت النـاصـــي تلـــوي خششـــها
لـــو يملكــــون ارقــــام الامـــوال حتيــــش
در الحمـــــــاره دوب يكفـــــــي جحشــــها
هذا باختصار موجز جانب من جوانب شخصيته الإنسانية التي لم يغفل عنها الشعراء والشعر الشعبي، ولأنه شاعر وابن شاعر يكون للشعر فيه مذاق خاص، لأنه يستوعب الإبداع ويمنحه حقه من الاستمتاع بسماعه ويمنحه الاحترام لأنه يستحق البقاء.. إنه الإبداع.
قلت فيه ذات مرة
يا للي تبــي شــوف الــكرم بالنظـــر شـــوف
آقــف علـــى محمــــد بعينــــك تشــوفـــه
والشعر هنا يسجل مواقف عديدة تبقى مع الزمن لمن يعمل.. وإذا وددنا الخروج عن الإنسانية والشعر سنفتح باباً كبيراً من أبواب الإنسانية الرياضية.
في ظروف عصيبة مرت بنادي الهلال كانت الصحوة على يد الأمير عبدالله بن سعد -أسكنه الله فسيح جناته- وكان الأمير محمد العبدالله هو أول من قدم تكاليف احتراف اللاعب نجيب الإمام في ذلك الزمان الذي كان فيه شح الموارد معدوم جداً.. إلا من رجال مثل الأمير محمد العبدالله الذي استطاع بإنسانية رياضية أن يسعد جماهير الهلال السواد الأعظم ليس ذلك فقط، بل كان يقف مع كل لاعب رياضي هلالي وغيره.. أما الحديث عن عشقه الأول والأخير النادي الأهلي بجدة فلا يتسع مكان كهذا لإيراد ولو الجزء اليسير من مواقفه الإنسانية الرياضية.. غفر الله له وأسكنه فسيح جناته.