|


حمود الغبيني
نريد استثماراً رياضياً لا ترويضاً للاستثمار
2009-03-05
 قيل الكثير والكثير في الاستثمار الرياضي، وتداوله المهتمون وغيرهم من جوانب شتى، بدءاً من توافر الأرضية القانونية التي تحمي جميع الأطراف، مروراً بالمستثمرين سواءً كانوا شركات أو أفراداً (مكاتب التعاقدات)، وانتهاءً بالأوعية محل الاستثمار وهي إما الأندية الرياضية أو الملاعب أو حقوق البث التليفزيوني.
 وأياً كان تناول هؤلاء أو أولئك فاسمحوا لي أن أسترجع معكم محطات مهمة في تاريخ الاستثمار الرياضي في المملكة العربية السعودية:
دأبت حكومتنا الرشيدة ـ حفظها الله ـ منذ نشأت على دعم الشباب ورعايتهم والاعتناء بهم، ولذا فإننا نستطيع القول بأن الاستثمار في الرياضة بدأ بهمٍّ حكومي رعوي، فقد كان هدف الحكومة هو رعاية هذه النبتة المباركة لتنشأ وتترعرع ثم إذا قوي عودها وتوافرت لها الأرضية الصلبة التي تقف عليها أطلقت لها العنان لتسابق الزمن في الوصول إلى محطات العالمية والمحافظة على ذلك.
 شجعت الدولة المستثمرين على أخذ زمام المبادرة في الاستثمار في الميدان الرياضي لما له من أهمية وللمستقبل الذي ينتظره، ودخلت الشركات السعودية ميدان الاستثمار على استحياء بالغ، تقدم خطوة وتؤخر أخرى، لأسباب كثيرة معروفة لعل أهمها غياب اللغة المشتركة بين إدارات الأندية وإدارات الشركات الاستثمارية.
وهكذا سارت العجلة ولكن ببطء شديد شابه حذر مفرط من الشركات وثغرات في الأنظمة والقوانين.
 كان لدخول (موبايلي) السوق السعودية فعل السحر ليس في تحسن وجودة خدمات الاتصالات فقط بل وحتى في مجال الاستثمار الرياضي، فقط ألهبت هذه الشركة الفتية ميدان الرياضة باستثمارات نوعية في شتى المجالات الرياضية وفي وقت قصير من عمرها، حيث رعت في عامها الثاني منذ وجودها في السوق أكثر من 13 اتحاداً رياضياً وسجلت حضوراً في أول مونديال لكأس العالم تشهده في عام 2006 وكان عمرها آنذاك لا يتجاوز 13 شهراً برعايتها المنتخب السعودي.
لقد أحدثت حراكاً جيداً وأشعلت الفتيل بعد أن كاد يخمد، وبحركة ذكية أدركت موبايلي أن هناك فرصاً تستطيع بموجبها الولوج في اتفاقيات وعقود استثمارية مع الأندية مباشرة وليس فقط مع الاتحادات سواء اتحاد القدم أو غيره، فسجلت إنجازا غير مسبوق في استثمار الإعلانات في الملاعب، فكانت شعارات الشركات الأخرى على فانلات الأندية بينما الملاعب تتزين بشعار موبايلي يدثر كل جوانبها.
وكان الإنجاز الأكبر لـ(موبايلي) هو عقد نادي الهلال، حيث قفزت (موبايلي) بعقدها مع الهلال إلى آفاق أكبر ليس فقط من حيث قيمة العقد الضخمة غير المسبوقة ولكن أيضاً من حيث نوعيته وجودته واحترافيته، فهو عقد شراكة وليس رعاية وهذه سابقة لم تحدث من قبل. وكان للقيمة الكبيرة التي حددتها (موبايلي) لشراكتها مع الهلال وقع الصدمة على سوق الاستثمار الرياضي، ووقف الجميع مذهولاً مما يحدث. ومع اختتام الموسم الأول لعقد الشراكة بين (موبايلي) والهلال ظهرت شركات أخرى بعقودها المنافسة لـ(موبايلي) مع أكبر ثلاثة أندية سعودية مرة واحدة، ولكن بالسقف الذي حددته (موبايلي) مسبقاً، أي فوق الأربعين مليوناً في السنة. لقد رسمت (موبايلي) الطريق لمن قبلها ولمن جاء من بعدها.
 ومع حدوث هذه الهزات الأرضية للاستثمار الرياضي وتحرك الشركتين الكبيرتين (موبايلي) والاتصالات السعودية ومبارزتهما لبعضهما في ساحة الاستثمار الرياضي، بدت للمراقبين بوادر أمل في استمرار التنافس ودخول شركات أخرى لتنافس وتبارز هي الأخرى، فكل ذلك في صالح الاستثمار الرياضي والرياضة السعودية بشكل عام، لكن للأسف لم يحدث ذلك، فلم نرَ شركات كبيرة لها صروح شامخة.. قل ما شئت من الألقاب والمسميات. الغريب أنه مع كل هذه الألقاب والمسميات إلا أنك لا تسمع لهم حساً ولا همسا، لا في الرياضة ولا في غيرها. أين الشركات الكبيرة وأين البنوك، عجيب أمر هذا الإحجام، اليابان التي كانت خلفنا أصبحت تسبقنا في تصنيف (فيفا) بفضل شركاتها العملاقة التي أصبح لكل واحدة منها نادياً باسمها وانظروا إن شئتم نادي أوراوا ردز (ميتسوبيشي)، نادي يوكوهاما مارينوز (شركة يوكوهاما)، نادي جوبيلوا أواتا (شركة ياماها) وغيرهم.
 ولهذا فنحن بحاجة لاستفاقة كبيرة من قبل الشركات من جهة ومن قبل القائمين على الأندية الرياضية من جهة أخرى، متى ندرك أن الأمر شراكة بين طرفين؟ وليس مؤامرة يفكر أحدهما باستغلال الآخر، نعم أقولها بكل تجرد إننا يجب أن ننسى أنفسنا ومصالحنا الشخصية ونضع المصلحة المتبادلة ومصلحة الرياضة السعودية فوق كل اعتبار.
فليس من المعقول أن تبقى الشركات العملاقة في بلد عملاق كالسعودية مكتوفة الأيدي تكتفي بدور المتفرج، وليس من الإنصاف أن تواجه تلك المجتهدة منها سواء كانت (موبايلي) أو الاتصالات أو غيرها عثرات هنا وهناك لا تصب في مصلحة الرياضة ولا في مصلحة الاستثمار الرياضي. سمعنا مؤخرا أن إحدى الشركات فازت برعاية دوري المحترفين وهذا أمر يسعدنا لكننا سمعنا أن حقوقاً إعلانية قد منحت لهذه الشركة تتعارض مع حقوق قائمة لشركة (موبايلي) ولشركة الاتصالات في عقودهما مع الأندية مما يعني أن خللاً كبيرا وقع ربما يعود بقطار الاستثمار إلى نقطة الصفر إذا ما ثبتت هذه الأنباء. إننا نريد استثماراً رياضياً لا ترويضاً للاستثمار، وهنا مربط الفرس.