|


بندر الدوخي
الجوع وصفة
2010-09-06
صوموا تصحوا، عبارة إسلامية مارسها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته تجربة حياة، وكانوا بها عنوان الشجاعة والقوة والانتصار على النفس أولاً ثم في ميادين الحياة.
ـ والذي قابلته في أحد مواقع العمل كان منزعجاً صاخباً يفحش في القول لمجرد أنه حرم في نهاره من الشاي وما يرافقه من أطعمة وأدخنة.
ـ همس أحد الحاضرين: إنه أحد مرضى الإحساس بأن رمضان شهر الحرمان.
ـ قال آخر: وهو بهذا الإحساس يعاقب نفسه أكثر مما يتفاهم مع رمضان.
ـ قلت لنفسي وأنا أتأمل وجهه الناضح بالعافية: ألم يأكل ويشرب ويتمتع بالأطايب في سحوره قبل ست ساعات على الأكثر؟ لم هو غاضب متوتر الأعصاب وفي عالمه من لايأكل اللقمة بالأيام، ومع ذلك يعمل ويجاهد في الحياة؟!
ـ وتذكرت أمام هذا الوجه المكتنز كيف كانت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم تعيش بالأشهر دون أن توقد في بيتها ناراً، وكيف كان طعامه صلى الله عليه وسلم الخبز الجاف المغموس بالزيت أو الماء، وكيف كان هذا الجوع نبلاً وإنسانية وقيادة عالمية.
ـ إذن القضية ليست جوعاً وشبعاً، ولكنها قضية إرادة.
ـ ولازال الموظف عاشق الشاي والأدخنة أمامي متأففاً.
ـ قال الواقف إلى جواري وقد لاحظ سمنة الموظف المفرطة: صوموا تحصوا.
وتذكرت طبيباً أمريكياً كانت آخر صيحاته في عالم الطب "جوعوا تصحوا" ودلل أن للجوع منافع عكس ما نفهمه من خلال شرحنا.
ـ ولصوم هذا الطبيب قصة، فقد عانى على مدى خمس سنوات من التهاب المفاصل.. وعجز وهو الطبيب أن يكتشف علاجه.
ـ وفي لحظة إيمان، وجد أن الصوم صحة، وتطهر، وعلاج.
ـ واستعاد ماقرأه عن المعمرين في بعض المناطق من العالم، وكيف أن التخفيف من الطعام أحد الأسباب في تقليل أمراضهم، فقرر أن يصوم ـ أن يجوع ـ وقضى خمسة وأربعين يوماً دون طعام إلا ما يربطه بالحياة.
ـ نقص وزنه، لكنه تخلص من الالتهابات والآلام.
ـ ومنذ ذلك التاريخ التجريبي بدأ يحاضر ويكتب وينادي للجوع، أي الصوم، وأصبح الجوع وصفة طبية ناجحة.
ـ والتقت نظرة العلم الحديث بنظرة الإسلام.
ـ ولاحظ العالم أن ما تبناه الطبيب الأمريكي له جذور قديمة.
ـ وأصبحت فلسفة العلاج بالجوع تعبيراً عن القدرة الإلهية التي أودعها في صميم الحياة.. ولازال الموظف الضخم أمامي متأففاً.
ـ وأبوتراب الظاهري يقول: كان المصريون القدماء في التذكير بالسحور يقولون:
من كان يشكو عظم داء ذنوبه
فليأت من رمضان باب طبيبه
ويفوز من عرف الصيام بطيبه
أو ليس قول الله في ترغيبه