|


د. سعود المصيبيح
سبع سنوات سمان
2012-05-17

اتصل بي صديقي المتوسط الحال نسبياً يزف لي البشرى بموافقة الملحقية في أمريكا على ضم ابنه للبعثة بعد أن أمضى تسعة أشهر دفع عليه ما يعادل المئة وخمسين ألف ريال معظمها لمعهد اللغة والجامعة، حتى أنه فكر بإعادته رغم أن الابن سيبدأ الماجستير في تخصص مهم وهو شغوف للدراسة وطلب العلم، وهنا قال بصوته المؤثر أدعو الله عز وجل أن يطيل عمر ملكنا المحبوب ويديم عزه على دعمه وتشجيعه لطلب العلم، وقال: قد أكون قادرا على دفع هذه المبالغ لابني لكن كيف حال الأسر المحدودة الدخل؟، وكيف نفذ هذا الملك الصالح مشروعه الحضاري التنموي في إبتعاث قرابة المائة وخمسين ألف مبتعث لم يكن بمقدور أسرهم أن يدفعوا هذه المبالغ الطائلة لهذه الجامعات المتميزة وفي هذه الدول المتقدمة، فقلت له: إنه خادم الحرمين الشريفين الذي وضع مصلحة شعبه فوق كل اعتبار، وأن هذه الأسر ستتحسن أحوالها بعد عودة أبنائها وبناتها حيث التعليم المتقدم والوظيفة الجيدة بإذن الله. فشكراً لله عز وجل أن جعل ولي أمرنا بمثل هذه الإنسانية والنبل والكرم، وهنا عادت بي الذاكرة لسنوات خلت في يوم البيعة قبل سبع سنوات من هذا اليوم المبارك الذي نحتفل فيه بيوم البيعة عندما توافد الشعب إلى الرياض وإلى قصر الحكم بالذات لمبايعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكانت الحشود هائلة والانتظار طويلا ولم يتململ الناس أو يتراجعوا من كثرة الحضور، بل زادهم إصرارا على التشرف بمصافحة الملك عبدالله بمبايعته على السمع والطاعة في ظاهرة إنسانية وطنية تعبوية شعبية لن تجدها إلا في المملكة العربية السعودية .. وكنت أنظر يميناً وشمالاً إلى المنتظرين ونحن جموع كثيفة في قاعات وصالات قصر الحكم فأجد عالم الدين المتبحر بدينه وعلمه وفقهه وشرع الله، وأجد رجل الأعمال الناجح باقتصاده واستلهامه لأمن البلد واستقراره واستفادته في بناء مصانعه ومتاجره وأملاكه، وأجد استشاري في مجال متقدم من الطب كان ناشئاً صغيراً في قرية وادعة فوجد التعليم والطموح وحصل على بعثة ودرس في أفضل الجامعات العالمية وعاد ليواصل إبداعه وخدمة وطنه. وأجد المهندس والمعلم والداعية والشيخ الهرم والطفل الصغير مع والده والإعلامي والأديب والاقتصادي ومختلف المهن والأطياف وتنوع المجتمع وشموليته .. فكان هذا الحب وكان هذا الالتفاف شاهدا على امتداد للدولة السعودية وتواصلا لمنهج وضعه الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) ثم أبناؤه من بعده حتى جاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لتكون انطلاقة متميزة في مجال التعليم والطب والمعمار والاقتصاد ودعم الإنسان واحترامه وتحقيق العدل فيه ..، وواصلنا الانتظار والساعات الطوال حتى نلنا شرف مصافحته (حفظه الله) ومبايعته فكان يوماً مشهوداً يحق لنا أن نفتخر به ونعيد استذكاره.. وفعلاً حقق الملك عبدالله الشيء الكثير، فهناك التعليم الذي وضع ثقله فيه عن طريق مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، كما أنشأ جامعات جديدة وأقام جامعة عالمية هي مركز علمي ضخم على مستوى دولي بمواصفات علمية متقدمة، وفي الاقتصاد أنشأ المدن الصناعية وشجع الاستثمار الأجنبي وتطور الاقتصاد والعمران والبناء وكانت سياسته الحكيمة سبباً بعون الله في أن تتجنب المملكة الأزمة العالمية الاقتصادية حتى أصبحت بلادنا ضمن العشرين دولة الأكبر اقتصاداً في العالم. وفي مجال خدمة الإسلام واصلت المملكة منهاجها القائم على العقيدة الإسلامية حيث توسعة الحرمين الشريفين وتطوير المشاعر المقدسة وتوسعة المسعى وجسر الجمرات وقطار المشاعر وتوسعة صحن الطواف وإيصال رسالة الإسلام عبر الفضائيات بنقل الصلوات ومناسك الحج إلى جميع أنحاء العالم بإعلام متخصص مدعم بالقنوات الفضائية وبالترجمة الحية.. وفي مجال القضاء إعلان مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء وإنشاء المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف، وفي المجال الإنساني إشاعة ثقافة الحوار وإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وحوار الحضارات لما فيه مصلحة الإنسانية، وكان من بركات عهده الزاهر اختياره الموفق في تعيين أخيه الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية بعد وفاة أخيه ولي العهد الأمير سلطان (رحمه الله) فكان نعم القرار الصائب الذي نال رضى وتأييد وسعادة المواطنين لما عرف عن الأمير نايف من حكمة ووطنية وعدل وبعد نظر وخدمة مشرفة لهذا الوطن وكان يوم مبايعته في الثاني من شهر ذي الحجة 1432 يوما مشهوداً في قصر الحكم في الرياض حيث الجموع الهائلة التي قدمت لمبايعته. وهنا يحق لنا أن نعمل مخلصين جادين لخدمة وطننا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير نايف بن عبدالعزيز (حفظهما الله)، رافعين أكف الضراعة بأن يمن عليهما بالصحة والعافية، وأن يمد الله في عمريهما، وأن يتقبل جل وعلا منهما ومنا صالح الأعمال والقبول والجنة. وفعلاً إنها سبع سنوات سمان مليئة بالإنجاز والنهضة والعطاء والتقدم.