في وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز ألمٌ يتجاوز حدَّ الفراق إلى الحسرة على الفقد، فإذا كان إيماننا الذي لا يساوره شك أن الموت حقّ، فليس من شك أيضاً في أن فقد منهم مثل نايف بن عبدالعزيز لا تعدلها أخرى من مصائب الدهر الذي يختبر فيها المولى عز وجل صبر واحتساب عباده وثبات المؤمنين عند قضائه وقدره، فليست النوائب واحدة ولا أثرها على نفس القدر، ولست هنا جزعاً ولا من باب أن أحداً لا يخلف الخيرين لأن الله ما قضى بأمر إلا كان له فيه خير، وإن كنا لا نعلم ولا أن هناك من لا يمكن الحزن عليهم، فمصيبة الموت بطبيعته تخلف الألم والحزن، والفقد الذي يورث العظة والصبر والاحتساب، لولا أن الرجال بما قدموا وما قدم يقدر بحجم تأثيره ومن ذلك نبدأ في فهم لماذا يمكن أن يكون ألم الفراق على رحيل الأمير نايف مختلفاً أو هو يجب أن يكون كذلك. نعم كان نبأ الوفاة صدمة هزت القلوب وأوجعتها، ومن عاش في هذه البلاد ونعم بما منّ الله عليها من أمن وأمان لابد له أن يعرف أن ذلك له أسبابه بعد حفظ الله، وأن الأمن الباعث للاستقرار هو قلب الوطن الذي يضخ الحياة في كل أطرافه، وأن نايف بن عبدالعزيز، أربعون عاماً جعل منه خبزاً يومياً مهما كلفه صنعه وإنضاجه، وفي ذلك يبدأ التعرف على هذه الشخصية الفذة بلا ادعاء والقوية بلا اعتداء والحليمة بلا ارتخاء، وكيف أنه كان رحمه الله ساعة الشدة والبلاء زمن التطرف ومعارك كسر العظم مع الأشرار الذين حاولوا اختبار الأمن ورجاله، كان لهم خير منازل بالردع والنصح، حمى الوطن والمجتمع من شرهم وسعى لحمايتهم من شرّ أنفسهم فكان كمن يؤسس لنظريات جديدة في المعالجات الأمنية لا قبل لنظرائه بمثلها تاريخياً، والفضل في ذلك لصفاء العقيدة ونقاء السريرة ومخافة الله، ثم الحصافة والروية والخبرة في فهم النفس البشرية وما يعتريها من أسباب تدفع بها أحياناً للشر وتزين لها الباطل، وكيف أنه يمكن تهذيبها وتصحيح أفكارها وما تحتاجه أخرى من حزم وردع وعقوبة وشدة؛ هذا كله جنب البلاد والمجتمع ما الله به عليم، وهو بذلك وبما كان عليه من عين ساهرة وقبضة لا تلين حارب أهل الضلال كذلك تصدى لمخاطر المخدرات وحارب مروجيها ووقف ضد كل مظاهر الانحلال والتغريب وأعلى من شأن العلماء المشائخ وشجع حفظة القرآن الكريم ودارسي السنة المطهرة، وكل ذلك جملة مهمة في بناء وجدان وعقول الشباب دون أدنى شك لها تأثيرها ودورها في ما تحقق من أمن فكري ساعد في أن يكون التوازن صفة ملازمة للأنشطة والفعاليات المختلفة. وكان حجر زاوية في أركان هذه البلاد المباركة التي أعزّها الله بخدمة بيته الذي للأمير نايف فيه مساهمات لا تذكر وتشكر فحسب، بل وتجعلنا ندعو مخلصين أن لا يحرمه المولى عزّ وجل من المثوبة وأن يجعلها في موازين حسناته وقد خدم الحاج والمعتمر وأمنه. الوطن الذي بايعه وليّاً للعهد يشهد الله أنه وعد فأوفى، عمل وأنجز.. بذل حياته كلها في خدمة هذه الأرض لتبقى آمنة مطمئنة تنعم بالاستقرار وتهنأ بالوحدة.. فليرحمه الله وليجزيه على ما قدمه خير الجزاء وأن يجزل له المثوبة.. اللهم أنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.