|


خالد الثنيان
الرياضة والإستراتيجية الأمنية
2012-06-25

كان الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية -يرحمه الله- شخصية بالغة الأثر والتأثير في تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث، فقد كان أحد أهم أركان مسيرة النهضة التي شهدتها المملكة على مدى أكثر من نصف قرن، وكان (يرحمه الله) على يقين بأن الخطط التنموية الحضارية لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا من خلال إستراتيجية أمنية تحافظ على استقرار الوطن وتعزز مفاهيم المواطنة التي تقوم على التلاحم بين القيادة والشعب والاهتمام بالشباب.. وكان طوال السنوات التي تولى خلالها مسؤولية القطاع الأمني متمثلاً في حقيبة وزارة الداخلية، مهندساً لمنظومة الأمن والأمان التي تنعم بهما المملكة، فلم تتأثر برياح التوتر والقلق الذي يسود العديد من دول العالم، وخاصة دول الجوار العربي، ويرجع ذلك إلى إيمانه العميق بأهمية العناية بالشباب وتعزيز المفاهيم الوطنية في عقولهم وحمايتهم من أي مظهر من مظاهر التغريب أو التغييب لملامح ومكونات الشخصية السعودية الأصيلة، وقد ساهم بعقليته الأمنية القادرة على قراءة الواقع في وضع الحلول الجوهرية المتوازنة لمواجهة كل القضايا الطارئة والمحتملة، فعندما طفت بعض الأفكار والأفعال الإرهابية على سطح المجتمع السعودي تصدى لها بفكر أمني عبقري ومتحضر حتى اجتثها من جذورها وقضى عليها انتصاراً لقيم الأمن والتسامح والسلام الاجتماعي، ومن خلال القضاء على الفكر الضال المضلل ليرسي دعائم الأمن ويحافظ على استقرار المجتمع وازدهاره ونهضته. وحينما نتحدث عن علاقة الأمير نايف بن عبدالعزيز -يرحمه الله- بالشباب، سنجد أن سموه لم يكن يفصل بين ثنائية (الاستقرار الأمني والاهتمام بالشباب)، فقد كان يؤمن بأن الاهتمام بالشباب هو حجر الزاوية في بناء منظومة أمنية مستقرة يصعب اختراقها أو العبث بأمن الوطن من خلالها، ومن هذا المنطلق أولى سموه -يرحمه الله- الشباب عناية كبيرة، ليس فقط من خلال وضع الخطط الأمنية المحكمة لمكافحة المخدرات أو القضاء على الفكر الضال، ولكن من خلال تأسيس وعي الشباب منذ فترة مبكرة على أسس دينية معتدلة، ليحمي الشباب أنفسهم بأنفسهم، وأبلغ الأمثلة على ذلك أن سموه حينما تبنى تأسيس “جائزة السُنَّة النبوية” في 29ـ 5ـ 1423هـ، واهتم برعايتها واختار المدينة المنورة مقراً لها، ركز بنظرته المستقبلية الثاقبة على الناشئة والشباب، مؤمناً بدورهم في المجتمع، وأهمية ربطهم منذ المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والثانوية بالحديث الشريف، حفظاً وعناية وتطبيقاً، وشغل أوقاتهم، وتنمية روح المنافسة الشريفة بينهم، ومن هنا كانت الرياضة العقلية المعرفية مدخلاً عميقاً لاهتمام سموه -يرحمه الله- بالرياضة البدنية، وكما كان داعماً كبيراً للرياضة الذهنية كان كذلك داعماً كبيراً للرياضة البدنية انطلاقاً من إيمانه العميق بأن النشأة الشبابية المعتدلة منذ المراحل المبكرة ستحقق نهضة رياضية ترفع الراية السعودية في المحافل الدولية، وإذا أردنا التأكيد على ذلك ببعض الدلائل والشواهد، لن نجد هنا أرقى وأنبل من المثال الذي رسخه سموه في نفوس الرياضيين حينما حرص -برغم مرضه الشديد- على حضور المباراة النهائية لكأس ولي العهد مشاركاً الرياضيين فرحتهم بهذا العرس الرياضي الكبير، ليس من أجل تسجيل الحضور للحضور، وإنما من أجل تسجيل موقف وطني يضاف إلى سجله الوطني الحافل بالمواقف المشرفة. رحمك الله يا نايف.. زرعت في نفوسنا مفهوم الأمن والأمان.. وستبقى في ذاكرتنا مثالاً مضيئاً للأمير الإنسان.