الذين يخشون على المنتخب السعودي في مواجهته الودية المقبلة أمام إسبانيا يستندون إلى الفارق الهائل في الإمكانات، وهذا صحيح، كذلك إلى عدم وجود منتخب (حالياً) له شخصية فنية وواضح الملامح عناصرياً وهذا أيضاً صحيح، كما أن الخشية تأتي لأن المنتخب سيلعب دون تحضيرات كافية وبعناصر لم تتجانس ولا تملك الخبرة. لكن آخرين يرون أن مباريات (يوم الفيفا) فرصة مناسبة للتداخل الفني مع البلدان المتقدمة كروياً وأن ذلك شيئاً فشيئاً سيجعل عجلة التغيير تبدأ في العمل الذي ستجني منه الكرة السعودية الفائدة آجلاً وليس عاجلاً، وأن مثل هذا العمل هو نتاج التطور في الفكر الذي كان لابد من أن تنتهجه الإدارة المشرفة على المنتخبات بعد أن تسببت بعض الإخفاقات في تعطيل القدرة على تحقيق المكاسب مما أحدث ضغطاً نفسياً على العاملين على الإشراف على المنتخبات، وتسلل ذلك إلى اللاعبين ومن ثم عمت حالة الإحباط كل الأطراف حتى وصل حال المنتخبات إلى ما وصلت إليه. كل هذه الهواجس والأفكار مقبولة لكنها ليست جميعها صحيحة، لقد عشنا عقوداً تم خلالها تصنيف أداء المنتخب السعودي في خانة المنتخبات المتقدمة والمتفوقة آسيوياً لكن ليس بفضل العمل المنهجي والقدرات الإدارية والفنية العالية التأهيل التي تنتهج التخطيط وتعتمد على الدراسات وكان لدينا لاعبون موهوبون أفذاذ لكن لم يكن ذلك معتمداً على الاهتمام بالأكاديميات والبراعم، وكان لدينا انضباط وقتالية في أداء لاعبينا لكن ليس لأنه كان لديهم وعي أو ضبط لوائح وقوانين تنظم ذلك وتضمنه، كل ذلك أمر نسبي أي أنه ليس كما نعتقد أننا كنا متفوقين بمعنى كلمة التفوق، ولم يكن لدينا هؤلاء العظام من اللاعبين كما نحاول أحياناً أن نمرر ذلك على بعضنا البعض ولربما كان لأسلوب عملنا الإداري والفني السابق دور فيما نشكو منه الآن. من وجهة نظري أعتبر أن حاضر كرة القدم تغير تماماً عن ماضيه، وأن أساليب الإدارة والتدريب اختلفت عن السابق، وأن متطلبات صناعة فريق كرة لم تعد بتلك السهولة التي كانت عليه الأمر أصبح أكثر تعقيداً وتشابكت أمور عدة في بعضها البعض مما جعل الكلفة في الجهد والفكر والمال تتضاعف. إن الظروف المساهمة في خلط هذه التركيبة والخروج منها بمنتج متعافٍ ليست متوفرة في كل بيئة، وربما نحن واحدة من البيئات العصية على إنتاج مركب يستخلص من قوانين وأنظمة ودراسات وتخطيط ووقت للتنفيذ وأقرب إلى ما تهبه لنا السماء من مواهب ومبدعين وخبرات لا يد لنا فيها إلا استهلاكها ولن أقول حتى بوعي أو بغيره. بالمنطق نحن الآن أفضل في ملاعبنا ومسابقاتنا ولاعبينا ولجاننا ولوائحنا واهتمامنا بالقاعدة من النشء أصبحنا نعترف بالتسويق والموارد والاستثمار والقانون والقضاء والانضباط ومكافحة المنشطات والأكاديميات، كل ذلك وقبل عقد لا وجود له على خارطة كرة القدم السعودية بالرغم مما تحقق لها، وهو ما يؤكد أن ما تحقق منسوب لطبيعة تلك المرحلة وظروفها أكثر مما هو تفوق بحت نظير عمل يستطيع أن يحقق شيئاً الآن لو عادت السنون أو قيمة فنية للاعبين أو مدربين يمكن لهم فعل شيء الآن.. للموضوع بقية.