|


سعد المهدي
وفي الرياضة حقائق غائبة
2012-11-09

أعود كل مرة إلى قراءة تقرير عن صناعة الرياضة والملايين، بل المليارات المصروفة على أنشطتها وتأثيرها الطردي على الإعلام، ومجال التسويق حتى أصبح المتخصص منه في الرياضة يدرس في الجامعات العالمية ويدخل في خيارات دارسي الدراسات العليا كتخصص دقيق، كذلك ارتباط هذه الصناعة بالإعلان، وكيف أن أكبر الشركات تتنافس على فرصة الاتفاق مع الرياضيين الأبطال أو الأندية، ويشرح هذا التقرير الكثير من التفاصيل المتعلقة بفرص الاستثمار وتعدد خياراته.. وفي كل مرة أفرغ من قراءة هكذا تقارير ألتفت إلى اليسار مرات ثلاث واستعيذ من الشيطان الرجيم؛ ذلك أن في رأيي أن قراءة أو التعمق في الفهم والاطلاع على هذا العالم، وأقصد عالم صناعة الرياضة لا يجوز لمن هو في مثل حالنا كذلك، لأنه يخشى على من يؤمن بمثل هذا الفكر أن ينسلخ من بيئته وينقلب على تقاليده، بل ويبدّل حياته بأخرى تستوجب محاسبته، حتى قبل الكشف على عقله للتأكد أنه يعمل لم ينفصل عن الواقع، هذا الواقع الذي عليه ألا ينتظر من خلاله صناعة رياضة، بل صراع رياضة واستجداء بدل استثمار هذا الواقع الذي جعل من الرياضة وفي عالمنا العربي غير محددة الجنس يصرف عليها بهدف، وتدار لهدف آخر، وينتظر منها تحقيق أهداف أخرى مختلفة جداً عما كان عليه الحال في البدء وهكذا. الرياضة قيمة تنافسية أم نشاط بدني ترفيهي، علم أم صناعة، أم كل ذلك أم لاشيء من ذلك.. هذه أسئلة لا يمكن للمخططين أن يتبنوا أحدها دون إشارات مجتمعية ظاهرة تحرض على أن تكون هناك مسارات يرسمها المخططون، وقد ضمنوا إمكانية التجاوب معها على نحو يحقق أهدافها ولو بنسب قليلة.. أما الفوضى في تحديد المفهوم والغاية فإنه لا يعني أكثر من الدوران في حلقة مفرغة تستهلك الوقت والجهد والمال وتقتل معها الطموح وتبدد إمكانية صنع الإنجاز. القرية الكونية التي بُشرنا بها منذ ثورة الاتصالات باتت الآن حقيقة يمكن لمس أثرها على كل شيء؛ أرى أن أثرها قد جاء عكسيّاً وسلبيّاً على الرياضة في بلادنا، لسبب بسيط وهو أن ما كان وراء البحار يثير العجب ويحفز للمحاكاة، بات مباشراً أمامنا ومعنا، فتخيّل لنا أنه بسيط وسهل ويمكن فعله.. لقد فتح الباب واسعاً لهواة الكلام أن يمطرونا ليل نهار بسياطٍ من نوع لماذا لا نكون مثل...؟.. وما الذي ينقصنا عن...؟.. ومثل ذلك؟.. وغيره كثير؛ عيب البعض الآخر أنه سمح لهؤلاء بالتمادي في هذه الهرطقة والادعاءات ولم يلجمهم ويدينهم من أفعالهم هم قبل غيرهم، لم يواجههم بأنهم غير قادرين وعاجزين عن تحقيق عُشر ما يرونه سهلاً وميسراً وبسيطاً، لأنه وبكلِّ بساطة أيضاً هم غير أولئك في كل الأمور وليس فيما يتعلق بالرياضة.. فلماذا استسهلوا أن يكون لدينا العداء "بولت" وتنظيم أولمبياد لندن وفريق برشلونة وينسون أو يتجاهلون أن ليس من بينهم من يكون مثل هؤلاء أو يستطيع أن يهزم في داخله الـ(أنا) والكسل وكومة من التقاليد غير الحسنة وغير ذلك حتى يستطيع أن يبني وينظم وينجز بفعل الجماعة المتشكل من الفرد الصالح الذي يؤدي واجبه تجاه مجتمعه ووطنه بحماس يفوق بكثير، وكثير من بحث عن حقوقه المشروعة.