|


سعد المهدي
عصافير الحسون وعصافير تويتر
2013-02-04

مات الشاعر صلاح عبدالصبور بعد إصابة قلبه بنوبة حادة في منزل صديقه الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، والسبب كما أوردت زوجة عبدالصبور أن زوجها تعرض إلى نقد واتهامات من قبل مضيفه حجازي وبعض الحاضرين، لكن حجازي قال: إن عبدالصبور وبحسب الطبيب الذي أشرف على محاولة إنقاذه إن الأزمة القلبية كانت ستداهمه على أي نحو، وكان ذلك في أغسطس سنة 1981م. وإذا أخذنا في الاعتبار رقة قلب شاعر مثل عبدالصبور فلربما نذهب إلى تصديق قراءة زوجته المكلومة لأسباب الأزمة، إلا أن التقليل من ذلك هو الأقرب للصواب خاصة بعد ما قاله الطبيب حول ذلك خلاف إيمان بأنها قد دنت الساعة وحان رحيله ولكل أجل كتاب حتى وإن لم يتجاوز الخمسين عاماً لكنه خلّد اسمه في ذاكرة الشعر الحديث الذي يعد أحد رموزه المعاصرين. يجيء ذلك في بالي وأحاول أن أتصور لو أن قلباً كهذا عاش زمن عصافير الحسون الذي يكتب حزنه وحنينه الشعر لو عاش زمن عصافير تويتر التي تغرد سوءاً وحمقاً وقبحاً، فما الذي كان سيفعله (جنوب أمي في رباك وأبي هناك.. على بساط من ثراك.. وأنا تسيل مدامعي ويثور في صدري هواك.. أنفاس أمي وأبي في الجو تعبق كالعبير .. وحديثهم كحنين حسون حزين .. يذوب في همس الخرير .. وأطياف بيضاء تبدو كالملائكة في السماء). صديقه الشاعر حجازي قال للصحافة حينها: إنه يقدر ظرف زوجته التي فقدت أب أولادها لكنه أيضاً لا يرى في أن نقاش تلك الليلة الفاجعة كان يمكن أن يفضي إلى تهشيم قلب عبدالصبور، (جنوب لاتقسو علي فأنا حزين تائه وهواك أغلى ما لدي... هذا فؤادي فوق سطح الطرس أهديه لكم فتقبلوه... فهو آخر ما تبقى في يدي)، أترى أن عبدالصبور كتب ذلك قبل أو بعد أن أسلم قلبه لأصحابه في صالون حجازي تلك الليلة التي ذهب فيها يزوره وقد عاد من باريس وكم من الأصدقاء يمكن لهم أن يفعلوها وينتزعوا قلبك من صدرك ويرموا به على الأرض دون أن تطاردهم تهمة القتل بل وحتى لا تشهد عليهم فهم أصدقاؤك.(وإذا يولد في العتمة مصباح فريد .. فاذكريني.. زينة نور عيوني وعيون الأصدقاء ورفاقي الطيبين.. ربما لا يملك الواحد منهم حشو فم .. ويمرون على الدنيا خفافاً كالنسم .. وديعين كأفراخ حمامة وعلى كاهلهم عبء كبير وفريد... عبء أن يولد في العتمة مصباح جديد)، يا إلهي، وأين هؤلاء الأصدقاء بل وأين بصديق لهم مثل هذا وإن كان حجازي قد قال ربما حين ألم به الفقد: (وذات مساء وعمر وداعنا عامان.. طرقت نوادي الأصحاب لم أعثر على صاحب.. وعدت تدعني الأبواب والبواب والحاجب.. يدحرجني امتداد طريق.. طريق مقفر شاحب.. لآخر مقفر شاحب.. تقوم على يديه قصور.. وكان الحائط العملاق يسحقني ويخنقني.. وفي عيني.. سؤال طاف يستجدي.. خيال صديق.. تراب صديق) لم يكن الأمر يحتمل أكثر لتجعلنا عصافير تويتر وحساباته لا نفتقد أصدقاءنا فقط لكن لنظن بهم ظن السوء، من لايعرفك لايمكن أن يهاجمك ويحقرك أو يسيء لك، لأن مرد هذه المعايب هي الحقد والغيرة وهي متوفرة عند أصدقائك ومعارفك.. وتزدهر بها تغريدات الغربان لا صوت عصفور الحسون.. أليس كذلك؟.