هل اعتزالك الناس سيسهم في كف أذاهم عنك، وهل تجنبك التواصل معهم والحديث إليهم واللقاء بهم سيقود إلى أن تسلم من ألسنتهم ومن فنون تتبعهم لك والحديث عنك والإساءة لك؟ هل انصرافك إلى صومعة خاصة تمضي فيها وقتك وتنشغل عنهم بعد أن كنت مضرب المثل في التواصل والعلاقات والحميمية والمبادرة في التسامح عند حدوث أي إشكالات سيؤدي إلى نتيجة إيجابية على حياتك؟ وهذا يعني تغيرا كبيرا في نمط حياتك الذي تعودت عليه. هل العزلة هي الحل في نظرك وأنت الطيب الكريم صاحب المواقف التي يعرفها أعداؤك قبل أصدقائك؟ نعم العزلة قد تكون حلاً لأن اتصالاتك ستقل ومن يريد أن يعرف سكناتك وتحركاتك وأقوالك وأفعالك سيستغرب من هذا الهدوء فأين الضجيج وأن ما يمكن نقله والتكسب من ورائه. نعم العزلة حل لكي ترتاح وتتجنب هذه العقول الملوثة بالشر والحقد ومحاربة الناس في أرزاقهم وأعمالهم والإساءة إليهم في حياتهم الشخصية والإنسانية والاجتماعية. هذا الكلام قاله صديقي الحميم الذي حاولت كثيرا لكي أفك عزلته والتودد إليه لمقابلته بعد أن اتخذ لنفسه ما هو أشبه بالسجن الترفيهي يقلب قنوات التلفزيون ويقرأ الكتيبات المتنوعة ويمارس الرياضة عبر جهاز السير بعد أن ترك منزله الجميل واستأجر شقة يرى من خلال نافذتها حركة الناس وشروق الشمس وغروبها دون الاتصال بأي شخص عدا خادمه الهندي الذي ينظف شقته ويقدم له الأكل بينما سمح فقط لزوجته وابنه الكبير لزيارته وقت ما يريد وفي أوقات متفاوتة وكل منهما لوحده، فالزوجة شريكة الحياة وهناك ما يجمعهما من حميمية واحتياج طبيعي والابن هو المكلف بنشاطه التجاري وإدارة أعماله التي نجح بها بعد تدريب مسبق من والده. قلت له ما هو الذي جنيته من العزلة بعد مرور عام دون مناسبات أو سفر أو لقاءات أو خروج من المنزل. قال كسبت عافيتي فقد كان لدي مختلف الأمراض من سكر وضغط وسمنة وترهل وتوتر ودوخة رأس من كلام الناس وتجسسهم وملاحقتهم لي وأنواع الكيد والمكر واللؤم والخبث والدسائس وجاءت العزلة لتريحني وتعطيني صفاء ذهنياً وراحة بال ومحبة وطمأنينة واستقرارا وصحة، فهل تصدق أن الطبيب جاءني بالأمس وقال لي إن وضعي الصحي على أفضل مايرام ولله الحمد. قلت لكن هناك من يحبك ويريدك قال صحيح ولكن اتصالاتهم بدأت تقل مع الأيام وانشغالوا بحالهم. إنني ياصديقي أنصح من يريد راحة البال بالعزلة والابتعاد عن الناس وقد قام بها العديد من العلماء والمفكرين والفلاسفة فأنتجوا لنا أسفاراً علمية قيمة، وهذا ما أجده في نفسي، أما عالمك المتوتر الممل المثقل بالجحود والنكران وأنواع الحرب النفسية والأهواء الخاصة فلم يعد لي فيه نصيب ولا أنوي العودة له مرة أخرى.