يقولون إن أكثر ما تتطلبه القدرة الإدارية في التعامل مع الموظفين وتقييم أدائهم هو أن تكون صارماً مطبقاً للنظام جاهزاً بالعقاب.. لا تفتح باباً للدخول في مبررات التقصير أو الخطأ عند إقراره وتنفيذه.. يقولون ذلك ويؤكدونه بالفعل.. فالتهاون غير وارد.. إنها (العين الحمراء) لا بد أن يراها الموظف من البداية حتى يعتاد على الانضباط في (الحضور والانصراف).. ويبدو أن هذا هو الهدف النهائي الذي يسعى إليه أكثر المدراء.. وقد نجح بعضهم من خلال الجولات التفقدية اليومية قبل أن تأتي (البصمة الإلكترونية) التي فشلت ولم تكن (عملية) بعد أن (أتلف) الموظفون جهازها الحساس بـ (ضغطة قوية).. هذا الاهتمام المتزايد بالحضور والانصراف ربما كان بسبب عدم وجود معايير نوعية لقياس الانتاجية.. إنها ـ إذاً ـ الشكلية ما زالت حاضرة بقوة.. وهي التي حجبت تلك الملكات الإبداعية وظلمت أصحابها. لعلكم قد سمعتم بنظرية (X).. لقد أضحت مفهوماً سائداً وتوجهاً قائماً في الإدارة هذه الأيام.. يظل ينظر إلى العاملين من البداية على أنهم لا يحبون العمل، ويميلون إلى الكسل ويحتاجون إلى درجة عالية من الانضباط، ولن يكون ذلك إلا بالعقاب. هل أنت ـ يا صاحبي ـ مثلي لا تفهم في الإدارة لأنك تؤمن بأن تعديل توجهات المرؤسين تأتي من خلال إعطائهم الفرصة لتقييم أنفسهم وتصحيح سلوكهم والصبر عليهم وتجديد الثقة بهم؟ بالتجربة تكونت لدي قناعة كبرى بأن نظرية (X) لا يمكن أن تكون أساساً في التعامل مع البشر.. فالمستوى العالي في الانضباط الذي تنشده النظرية لا يمكن أن يتحقق من خلال الاهتمام بالعمل على حساب حاجات العاملين وحل مشاكلهم.. إن الضوابط الخارجية التي تركز النظرية على توفيرها لا تحقق الاستغلال الأمثل لإمكانات العاملين.. ولكي يتحقق هذا الهدف لا بد من أن تكون النظرة إلى هؤلاء العاملين على أنهم قادرون على العمل دون رقابة خارجية.. ويمكن أن نضمن تحقيق ذلك متى ما استطعنا أن نضع معايير مهنية نوعية لقياس الانتاجية.. إن وجود مثل هذه المعايير يعمل على زيادة نسبة نضوج الفرد وبالتالي إنخفاض الحاجة إلى الرقابة.. هنا تتحق الموازنة بين الانضباط والحرية الفردية، فيكون الاهتمام بالفرد أولاً ثم يأتي العمل ثانياً.. وهذا ما تؤكد عليه نظرية (Y) التي لم يعد لها كثير من الأنصار، ولا أدري هل يعجبهم هذا التسلط العجيب للمديرين والخوف الساكن في قلوب الموظفين؟.. حين يفقد الإنسان ثقة الآخرين يموت الإبداع وتختفي المبادرات ويزيد الهدر في المال والجهد. ـ منذ أن جاء للوظيفة قبل عام وهو يحظى باهتمام بالغ من المدير.. دورات.. انتدابات.. بدلات.. مكافآت.. والأمر بالطبع لا يمكن أن نعيده إلى قدرات خارقة يتمتع بها هذا الموظف الجديد تميزه عن زملائه الذين سبقوه إلى الوظيفة ويحملون ذات الدرجة العلمية التي يحملها.. الأمر ببساطة شديدة هو أن هذا الموظف (الفريد) ابن (معروف)، وعطفاً على ما هو (مألوف) لا بد أن يكون له مكانة .. هكذا تعودنا وأصبح علينا أن نعد ذلك من الأمور الطبيعية.. إنها ـ يا سادة ـ المكانة الاستثمارية التي تمنحها لك الوظيفة الحكومية.. وما دام الناس قد تربوا على أن يقبلوا الأمور بـ (بساطة) فعليهم أن يقبلوا أيضاً أن يعيشوا على (الجبن) والزيتون والبطاطا.