|


سعد المهدي
البرازيل التي كانت فقيرة
2013-07-08

من داخل الماركانا كنا نتابع حركة الجماهير التي تملأ مدرجاته وتتدفق بالقرب من الميدان الذي يفصلها عنه نفق، وحين تسارعت حركة هذه الجماهير التي عادة تتابع المباريات وهي واقفة دون مدرج أو كراسي، سقط واحد من هؤلاء أسفل النفق الدائري، وكان بالمصادفة في الاتجاه الذي جلست فيه مع مجموعة من الزائرين السواح من دول مختلفة. كان ذلك سنة 1987م، ولم يكن بالسهل على صحفيين متخصصين في الرياضة أن يزوروا ريودي جانيرو لأي سبب، إهمال فرصة زيارة هذا الملعب الذي افتتح في مثل هذا الشهر من سنة 1950م خاصة وقد صادف ذلك مباراة الديربي بين عملاقي الريو فلامنجو وفلومينزه، وكان كما تذكر الموسوعة الحرة ويكيبيديا يتسع لأكثر من (139) ألف متفرج ومقاعده 130 ألفاً، لكن مساحة استيعابه عادة (82) ألفاً، قبل أن يغلق في 2010م لتجديده ليصبح كما شاهدناه في كأس القارات بذلك الجمال في التصميم، لكن طاقته الاستيعابية ظلت في حدود الـ90 ألف متفرج. أصيب المتفرج إصابة بالغة، اقترب بعضنا من محيط النفق ووجدنا الرجل ملقى على ظهره وقد نزف الدم من رأسه وبدت إحدى ساقيه أقرب أن تكون مكسورة، وسارت إجراءات إخراجه من النفق ونقله للمستشفى ببطء شديد، ولم تكن الجماهير الواقفة على حد سياج النفق مهتمة بما يكفي لما جرى، وقيل لنا حينها إن مثل هذه الحوادث طبيعية، وإن هذه الطبقة من الجماهير لاتلقى عناية أو خدمات لأنها لاتدفع إلا القليل جداً من المال في سبيل الحصول على بطاقات حضور الموسم الكروي وقوفاً. ماراكانا الجديد لم يعد فيه مثل تلك الصورة التي توحي بالفقر، فالبرازيل هي نفسها تغيرت منذ ذلك الحين وأصبحت أكبر المصدرين في العالم، وبلغ حجم صادراتها أكثر من 137 مليار دولار أمريكي 2006م ويتوقع لها أن تتصدر قائمة التصدير حتى 2050م، كما تعدى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد الترليون دولار ليجعلها في الترتيب تاسع أكبر اقتصاد في العالم والأولى في أمريكا الجنوبية، وبرغم ذلك فإن التقارير الاقتصادية تقول إن البرازيل بلد المتناقضات، إذ وهو يعرف نمواً اقتصادياً كبيراً يشهد مشاكل اجتماعية تجعله لايخرج من ثوب العالم الثالث. النجاح الاقتصادي لرئيسة البرازيلي ديلما روسيف كان حصيلة برنامج ثماني سنوات للرئيس السابق لولا دا سيلف، وهو الذي جعل البرازيل 2011 تقول إنها صارت سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم، ولم نكن محظوظين حين زرنا البرازيل نهاية 1987م، إذ كانت حينها تحاول السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، وكانت آثار ذلك تبدو جلية في كل مكان، حتى في الشارع الراقي الذي نسكن فيه بفندق بلازا، فقد كانت تصادفنا صباحاً مشاهد عائلات مكونة من أم وبعض أطفال وقد لفوا حولهم سواتر كرتونية ليناموا خلفها على الرصيف قبل أن تطردهم شمس صباح اليوم التالي وحركة المارة وأبواق السيارات. البرازيل التي شهدت اضطرابات واحتجاجات خلال كأس القارات التي انتهت الشهر الماضي، هي ليست برازيل بليه والأساطير الكروية التي كانت دائماً ترمز إلى الفقر حتى تم ربط الإبداع في الكرة بالفقر، والمنتخب البرازيلي الذي كان يلاقي بعض التعاطف من هذه الزاوية حين يقابل المنتخبات الأوروبية الغنية، البرازيل منذ عقدين لم تعد كذلك، لكن البعض لازال يعتقد أو هو لا يحبها إلا وهي كذلك.