|


د. سعود المصيبيح
العدالة الجميلة
2013-07-18

في قرية من قرى أسطانبول وفي يوم من عام 1522بدأ رجل بحراثة أرض اشتراها من شخص آخر وقبل أن يمضي زمن طويل،علق محراثه بجرة مليئة بالذهب الأصفر،فانطلق فورا إلى الرجل الذي باعه الأرض يريد تسليمه جرة الذهب وهو يقول (لقد أشتريت منك سطح الأرض ،وليس الذهب الذي فيها .وماكنت لتبيعني الأرض بالثمن المتفق عليه لو علمت بوجود هذا القدر من الذهب فيها فخذ ذهبك).فأجابه مالك الأرض قائلا (لقد بعتك الأرض كما هي ،بترابها وحجرها . وهذا الذهب ليس حقي.إنه لك فأفعل ماتشاء)تضايق الفلاح الذي عثر على الذهب ، وأصر على نقل المسألة إلى القاضي ،وكرر دعواه أمام القاضي.استمع القاضي إلى المسألة بدقة وأعجب بحرص الطرفين على التقوى والعدالة ،فما كان منه إلا أن قرر تزويج بنت الأول بأبن الثاني ،وجعل الذهب مهرا بينهما وأضاف (إن الزمن زمن السلطان سليمان ،ولاينبغي فيه أن نحيد عن العدل مقدار شعرة ولا نرى إلا المصاهرة حلا يليق برجلين في مثل ورعكما).إنها قصة رائعة حدثت في زمن السلطان سليمان القانوني الذي كان الرجل الأقوى في العالم لمدة 46 عاما حكم فيها الدولة العثمانية وكان أعظم خلفائها و كانت رسالته بأن السيف لا يقيم العدل وسمي بالقانوني لما قام به من إصلاح في النظام القضائي وأصبح حاكما بارزا في آسيا وأفريقيا وأوربا ووصلت فتوحاته المجر والبحر المتوسط والبحر الأحمر والنمسا والشرق الأوسط والخليج وشمال أفريقيا والعراق وإيران وشرق إفريقيا حتى أن ملك فرنسا طلب منه المساعدة ضد ملك أسبانيا مما يدل على حجم القوة التي كان عليها والمكانة المتطورة للدولة الإسلامية آنذاك .كما حرص على تطوير التعليم والمجتمع والقانون الجنائي وصاغ مدونة قضائية وفق الشريعة الإسلامية استمر العمل بها قرابة الأربعمائة سنة .وكان شاعرا إديبا محبا للثقافة والمعمار والهندسة والفنون وحريصا على تطبيق القوانين والعدل وعدم الميل مع الهوى كما احترم وحرص على رعاية حقوق الديانات الأخرى حتى كثرت هجرة المسيحيين لبلاده وحرص على رفاهية الفلاحين ووفرة المواد الغذائية .ولهذا فإن العودة للتاريخ تساعدنا على معرفة مثل هؤلاء الرجال وكم شوه الغرب والاستعمار صورتهم وكيف يمكن أن نقتفي آثارهم ونتعلم منهم في حاضرنا الإسلامي المرتبك .