لفت انتباهي حضور أكثر من (49) ألف متفرج في ملعب نادي سندرلاند في مواجهة مانشستر يونايتد الأسبوع الماضي في الجولة السابعة من الدوري الإنجليزي، إذ لا يتجاوز سكان المدينة الـ300 ألف بالرغم من أنها مكونة من ثلاثة قرى، حيث كانت في الأصل قرية صيادين واحدة. وجاء هذا الرقم العالي من الحضور بالرغم من أن المباراة لاتجمعه مثلاً مع غريمه نيوكاسل يونايتد، حيث تعتبر مباراتهما ديربي شمال شرق إنجلترا والتي تحدث بعدها مشاجرات اعتلقت الشرطة على خلفية ذلك آخر مرة 28 شخصاً. الحضور الجماهير الذي كان علامة تميز مسابقات الكرة السعودية الذي بدأ يختفي بالتدريج أكثر صعّب من تداركه خطأ التعليلات أو تقديم أسباب هامشية على أخرى جوهرية، وهذا لأن الأمر لم يؤخذ بجدية بحيث تتولاه جهات اختصاص بدلاً من جهات اختصام والمتمثلة في أصوات لمسؤولين عاملين في الأندية أو إعلاميين أعطوا بتفسيراتهم رسائل خاطئة أدت إلى تفاقم الأمر أكثر من إصلاحه. معدل حضور المباراة الواحدة في الدوري الألماني أكثر من 45 ألفاً وهو في صدارة الدوريات الأوروبية، يليه الدوري الإنجليزي الذي يحتل صدارة أوروبا بمعدل ما تحتله الجماهير من سعة الملعب 92 %، وعلى مستوى الأندية يحتل برشلونة الصدارة بـ83850 للمباراة، فيما كان معدل حضور جميع مباريات الدوري السعودي الموسم الماضي 644.922 ولم يستطع تحقيق المعدل المطلوب آسيوياً الذي لايتجاوز معدل 5000 متفرج في المباراة. الخطأ الذي تم وضعه حجر عثرة أمام فهم ما يجري هو الإصرار على تصدير فكرة أن السعودية شعب يحب كرة القدم وأنه لامتنفس له غير متابعة كرة القدم، كذلك أنه في حاجة إلى بيئة ملاعب جاذبة تضمن عدم تسربه وبالتالي تكاثره، والحقيقة أن ما ذكر لايتجاوز نصف الحقيقة، فإذا عدنا إلى المدينة الإنجليزية سندلاند التي يحضر مباريات ناديها الذي لا يتمتع بسمعة جيدة على مستوى الدوري الإنجليزي ولايزيد سكانها عن الـ300 ألف، ولا يتمتع ملعبها بما هو أكثر من أن يكون ملعباً صالحاً لأن يمارس على عشبه اللاعبون اللعب ويجلس المشجعون فيه على كراس في المدرجات، ها هو يحظى بحضور يشكل نسبة 35 % من عدد السكان، فيما أن مدينة مثل الرياض يسكنها أكثر من خمسة ملايين بحسب إحصائيات 2010 وهو سدس سكان المملكة ونسبة السعوديين فيها 70 % لايحضر مباريات قطبيها الهلال والنصر أكثر من العشرة آلاف على أكثر تقدير وليس في كل المباريات. إذاً فإن هناك ما شغل الناس عن حضور المباريات أو عوضهم عن الحضور أكثر من أن يكون هناك ما منعهم جبراً عن الحضور، وللذين يريدون أن يتلمسوا أصل الحكاية عليهم أن لايصغوا إلى التبريرات السطحية والواهية التي يصدرها البعض، ويدخل في تفاصيل أدق وأهم تتعلق بالمواصلات ومواقع الملاعب والتسويق للتذاكر وقيمة النجوم والمستوى الفني للمباريات، واضعاً في الأساس ثقافة المجتمع وسلوكه والتحولات التي طرأت عليه مع توالي العقود القريبة حتى يومنا هذا، تلك هي خطوة أولى وصغيرة لمعالجة التسرب الجماهيري من الملاعب، وإذا ما كان أمراً اعتيادياً أم غير ذلك.