اشتكى أحد الأشخاص لصديقه كثرة الأشياء في منزله، وعدم قدرته السيطرة عليها والوصول إلى ما يحتاجه منها، فأشار عليه ذلك الصديق بتطبيق حكمة يذكر أنها لأحد العلماء لم يبلغني اسمه، ماعلينا.. المهم إنها تقول: إذا لم تكن متأكداً من حاجتك للشيء الذي تملكه فتخلص منه. ويقول من روى لي تلك القصة إن أخانا ما أن طبق ما تنادي به تلك المقولة حتى أخرج من بيته كوماً من الأشياء التي مكث أكثرها طويلاً دون أن تمتد يده إليها، وقد كانت الأوراق في مقدمة تلك الأشياء. أعجبتني مقولة لباربارا همفيل - في كتابها (ترويض النمر الورقي) الذي نقله للعربية الدكتور إبراهيم البداح - تدعونا من خلالها إلى تبني قرار سريع لإدارة وتنظيم أوراقنا.. تقول باربارا: "يمكن تشبيه عملية تفحص كوم من الورق بإيقاظ نمر نائم بصورة مؤقتة، إذ إننا سنكتشف خلال تفحصنا له أوراقاً تمثل خيبة أمل بالنسبة إلينا، أو التزامات، أو غموضاً، أو تردداً في اتخاذ قرار، كما أننا سنكتشف أيضاً الحقيقة المؤلمة بالنسبة إلينا، ألا وهي أننا غير قادرين على إنجاز كل الأشياء التي نريد، أو نعتقد أننا بحاجة لإنجازها، وكما أن نوم النمر بصورة مؤقتة يخفف عنا، فإن تجاهل الأوراق يخفف عنا بصورة مؤقتة أيضاً، ولكن يظل هناك خوف دائم داخل عقولنا من أن النمر سيفيق من نومه في أي لحظة". انتهى كلام السيدة همفيل، ولابد أنكم تتفقون معي في أن مكاتبنا ومنازلنا ليست وحدها التي تعاني من الفوضى وظلت مهملة بلا تنظيم، شوارعنا – ياقوم - هي الأخرى امتد لها الإهمال فأصبحت وأمست تعاني من خلل تنظيمي ساهم بشكل كبير في بطء الحركة المرورية وكثرة حوادث السير.. إن السيارات في الشوارع تبدو مثل الأوراق المبعثرة في المكاتب.. إن ما يحدث في الشوارع اليوم هو هيجان لنمر (حديدي) صال وجال وافترس عشرات الآلاف من البشر، ومازال طليقاً يعبث بحياتنا، ويزرع القلق والخوف في قلوبنا.. وفي ظل هذا الازدحام الكبير وآثاره الخطيرة لابد أن نبادر إلى اتخاذ قرار سريع بتفعيل النقل العام.. إنه الحل المناسب لتقليص هذا الرقم المخيف من السيارات التي ينطلق غالبيتها بشخص واحد.. في دبي القريبة منا تجربة فريدة لنظام متكامل للنقل العام يستخدمه مئات الآلاف كل يوم.. لقد شاهدت حافلات نقل الطلبة بلونها الأصفر المميز.. ورأيت أحدث حافلات النقل العام.. أما شبكة (المترو) فهي لوحدها حكاية فريدة.. رأيت كل ذلك ولم أر في بلادنا سوى تزايد مهول في السيارات الخاصة وسيارات الأجرة.. نملك الحلول ولكننا لا نفعل شيئاً.. نترك النمر (الحديدي) يتجول براحته.. بل ونسهم في زيادة أرقام ضحاياه بالمطالبة بقيادة المرأة للسيارة.