كان معسكراً لا ينسى لناشئي الهلال في مدينة جدة. في بيوت الشباب تتشابك الأندية بالمنتخبات من كل الدرجات والألعاب. دخلت في نقاش عن الهلال والاتحاد مع فتى في الثامنة من عمره يعسكر مع منتخب المملكة للغطس. لم يكن يرى غير الاتحاد ولم أكن أرى غير الهلال. ضحك في وجهي وقال: "جبرتي الشمراني أحسن من يوسف الثنيان". رددت عليه بسذاجة الأطفال "الثنيان أحسن من مارادونا". كبرت وغادر الطفل الذي رافقني لأعوام، وعرفت أن الثنيان ليس أفضل من مارادونا؛ وأجزم أن عاشق جبرتي وصل لنفس نتيجتي بعد أن كبر ونضج.
مع النقاشات الدائرة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والمجالس أجد أن كثيرا من الناس مازالوا يحملون طفل الثامنة معهم أينما ذهبوا مع أنهم كبروا وأصبحوا في الثلاثين والأربعين وربما في الخمسين. فحكمهم على الأمور يبقى عاطفياً يفتقد للحكمة والعقل. لأنهم يزنون الأمور بقلوبهم والقلوب لا عقل ولا منطق لها. لذلك يجدون صعوبة في رؤية ما يحدث لأنهم لا يرون بعيونهم بل بقلوبهم الزرقاء أو الخضراء أو الصفراء أو الصفراء المخططة.
فلا تستغرب ولا تندهش إذا ما صرخ هلالي في وجهك ووجه كل المندهشين بجوارك : "والله سامي أحسن من جوارديولا". لا يلومك أحد إذا ما تركت المكان وصوت نصراوي مجلجل يحلف ويقسم أن مرعي العواجي لم يخطئ في مباراة فريقه مع الشباب، وأن الهدف الذي احتسبه للنصر هدف صحيح، والبلنتي بلنتي. لم أجد سبباً لصراخ النصراويين وانفعالهم عندما يتحدثون. ستعرف أن تفكير الأطفال أكثر نضجاً من بعض الكبار عندما يحاول أهلاوي إقناعك بأن تكريم المدافع محمد أمان تصرف طبيعي من جماهير النادي تجاه لاعبهم المفضل. ولن يجد حرجاً في نفسه وهو يكرر أن نايف هزازي بنفسه ذكر أن أمان لم يقصد إصابته. أما الاتحادي فسيتحدث معك بسرعة فهد المولد عن تاريخ اللجان مع الاتحاد وستجده يقاتل دون كلل ولا ملل لإقناعك بأن ما يحدث في الاتحاد اليوم ما هو إلا مؤامرة لإسقاط عميد الأندية.
وسطنا الرياضي ـ دون شك ـ مليء بنوعية خاصة من الناس لم تستخدم عقولها منذ كانت في الثامنة من عمرها. لذلك بقيت آراؤهم وأحكامهم بدائية تفتقر لأبسط درجات التفكير البشري. متأكد أن العقلاء من حولهم ينبهونهم بين فترة وأخرى بأن ما يقولونه يفتقد للحكمة والمنطق، ولكنهم لا يسمعون ولا يرون ولا يفكرون، لأن عمرهم العقلي توقف عن النمو منذ كانوا في الصف الثالث الابتدائي.
قبل أمشي:
يدخل تويتر منفعلاً، غاضباً على كل ناجح معتقداً أنه قادر بتغريدة في العالم الافتراضي أن يقلل ممن نجحوا في عالم الواقع. فيشتم كاتباً معروفاً ينتظر القراء مقالاته بشغف، ويسب مقدم برنامج يتابعه الملايين، ويقذف لاعباً أبدع في كأس العالم ثم يستغفر الله كثيرا ويخرج.