ترى من يستطيع منكم أن يواجه سطوة العشق، حين يحل بالقلب؟
نظرة فابتسامة فموعد فلقاء.. هذا هو (السيناريو) الشائع تاريخياً، وقد يقع العشق بلا (نظرات) فيتقد ولهاً حتى تذرف له (العبرات).. نعم هكذا بالسماع فـ"الأذن تعشق قبل العين أحياناً" كما يرى بشار بن برد، إلى أن يُمهد الطريق للقاء يتمتع بالشرعية (الإسلامية) بعيداً عن (الشرعية الدولية) فيتخذ في وضوحه وإعلانه (مساراً) واضحاً لا (مسياراً).
ولأن العشق يفسد بالنكاح كما يرى بعض الحكماء.. حكماء العشق والغرام.. فسيظل صاحبنا العاشق مهما تمتعت زوجته بجمال فتان يحن إلى أجواء العشق والهيام.. وسيظل يبحث عن تلك المرأة التي تجعله يردد مع أبي العلاء المعري:
إن شئت أن تلق المحاسن كلها
ففي وجه من تهوى جميع المحاسن
سيظل يبحث عن صاحبة المحاسن الكاملة ـ خاضعاً لأمر الهوى ـ حتى وإن (ربّع) أي تزوج بآخر المتاح من الزوجات.. يفضل أن يعيش (عبداً) في الحب على أن يكون (سيداً) في الزواج.
ترى هل بقي في هذا الزمن عاشقون حقيقيون يعيشون على (الجبنة والزيتون) بعد أن ارتفع ثمن (البطاطا).. أم أنهم قد عشقوا الأسهم قبل أن تصرعهم؟
إن طريق الحب أو الهوى في هذه الحياة ـ بقدر ما فيه من اللذة ـ تكتنفه المكابدة والمعاناة مما يثقل كاهل هذا القلب المتيم:
هل الحب إلا زفرةً بعد زفرة
وحر على الأحشاء ليس له برد
ومن أشهر من ملأ العشق حياتهم (مجنون ليلى)، و(كثير عزة)، وذلك الفارس الجاهلي المغوار (عنترة بن شداد).
إنها حياة فاتنة تلك هي حياة العشق والغرام.. فما أقوى من عشق فعف في هذه الحياة، وهنيئاً لمن لم يقف طويلاً في طريق العشق لتأخذه نسائمه وسَمومه ـ بفتح السين ـ لترمي به إلى فتونه وهمومه.. لا تقيد نفسك، وحلق بجناحيك نحو تلك التي خلقت من أجلك لتملأ قلبك سعادة وراحة وهناء.. لا كدر ولا معاناة.. ولا بكاء على الأطلال.. تجيد فن العشق والغرام.. تستقبلك بالمعانقة والمصافحة، إذا بدت خصلة من شعرها ملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها، تهنأ وأنت تتكئ معها على أريكتك.. إنها ليست واحدة، فبينما أنت تعيش هذا الأنس الطاغي باللذة الصافية إذ يشرف عليك نور من أعلى، فتظن أن الله قد أشرق على الناس بنوره جل وعلا، فتنظر فإذا صوت ينادي عليك وأنت متكئ مع (الحورية) على أريكتك.. تنظر فترى النور ينبثق من مصدره صوت رقيق عذب لحورية أخرى تقول لك: "يا ولي الله.. أما لنا فيك من دولة؟" نحن في شوق إليك، نحن في انتظارك يا ولي الله "فتقول لها: من أنت يا هذه؟ فترد عليك الحوراء وتقول: أنا من اللواتي قال الله فيهن: "لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ "(ق:35) فتترك الأولى وتذهب إلى الحورية الثانية فتراها أجمل وأحسن، ترى عندها من الحسن والجمال والكمال ما لم تره عند الأولى، وبينما أنت متكئ مع الثانية على أريكتك فإذ بنور آخر، وصوت يقول لك: يا ولي الله، أما لنا فيك من دولة؟ لترد: من أنت يا هذه؟ فتقول لك: أنا من اللواتي قال الله فيهن: "فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (السجدة:17) فتظل أيها السعيد الموحد لله جل وعلا، يا من فزت بجنته، تتنقل من زوجة إلى زوجة.
أيها الهائمون، اعشقوا الحوريات.. ابحثوا عن تلك الدروب التي تقودكم إليهن.. عيشوا معهن حباً عذرياً عفيفاً رسائله صلاة وصيام وزكاة وحج وذكر دائم لله، ومعاملة حسنة لخلق الله.. اصدقوا الله العمل لتبلغوا الأجر، ويا له من أجر في تلك الدار التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.