|


د. سعود المصيبيح
لماذا دخلت الطب؟
2014-01-09

اختيار التخصص والمهنة لطالب الثانوية أمر في غاية الأهمية. ولكل إنسان متميز قصة من الإبداع والعصامية والطموح. وسأل الابن والده لماذا دخلت الطب فكانت الإجابة معبرة عن تجربة تستحق الاطلاع وفيها من العبر الكثير حيث يقول الأب:(ابني الحبيب عندما كنت في سنك كنت أدرس في قرية صغيرة في أقصى جنوب المملكة، وكنت يتيم الأب توفي والدي (رحمه الله) وأنا في الصف الخامس الابتدائي، كانت أمي (رحمها الله) مدرسة في التربية، تخرجت من مدرسة الحياة، ولم تتلق من التعليم إلا ما تيسر من القرآن ولكنها أوتيت من الحكمة (رحمها الله) من فضل الله ما تعجز أمهات هذا الزمن من حملة الدكتوراة عن تدريسه لأبنائهم كانت لي الأم والأب والمعلم، زرعت (رحمها الله) فيّ وفي إخوتي معنى الطموح وعدم التذمر من قضاء الله، وعندما حصلت على الثانوية قلت لأمي (رحمها الله) أريد أن أكون شخصاً مختلفا قالت (رحمها الله) توكل على الله، الله يكتب لك ما فيه الخير، قدمت أوراقي لكلية الطب في الرياض، وكنت وقتها أحلم بالسفر إلى الرياض وتقدمت بأوراقي للجامعة سألت قسم التسجيل ماهي أحسن الكليات؟ قال الهندسة والطب، أنت ماذا تريد؟ قلت سأضع خياري الأول الهندسة لأنني كنت أعشق التصميم وأحلم أن أكون مهندساً معماريا ووضعت الخيار الثاني الطب، وكانت المفاجأة تم اختياري للطب ويضيف الأب في إجابته لابنه عن مرحلة الدراسة حيث يقول: (بدأت معركة التحدي كانت اللغة عائقاً لأنني لم يسبق لي أن سافرت ووجدت معي أصدقاء يتحدثون عن قضاء فترة الصيف في لندن لدراسة اللغة، كنت أبذل مجهودا مضاعفا لكي أجاريهم وبعد السنة المصيرية التي كانت تسمى العلوم الصحية هي من يحدد من يذهب إلى الطب ثم الأسنان وبعدها الصيدلة حسب المعدل التراكمي، واجتزت المعدل المطلوب وبدأت رحلة الطب الشاقة وبفضل الله تخرجت في الوقت الطبيعي ثم بدأت رحلة التخصص واخترت تخصص الجراحة العامة وجراحة القولون (ولعل السبب هو وفاة والدي بسرطان القولون) عندما كنت في المرحلة الابتدائية ولكن كلمات عمي (رحمه الله) كانت في ذاكرتي عندما قال إن الأطباء قرروا استئصال القولون ولم كنت أعي ماذا يعني القولون، وسيعيش مابقي من حياته يحمل كيساً (أكرمكم الله) على بطنه للإخراج، كان الطب في بداياته ورفض عمي والأهل هذه الفكرة ولم تمض إلا أيام قليلة حتى جاء عمي في عصر يوم لا أزال أتذكر اللحظة عندما قال إن والدكم اختاره الله ومات بكيت كثيرا لأنني كنت مقرباً إليه كثيرا، وعلقت فكرة مرضه في عقلي الباطن، وعندما اخترت الجراحة استيقظ بداخلي شعور غريب لماذا لا أختار هذا التخصص على الرغم من أنه لم يكن مغريا وعارضني العديد وحصلت لي فرصة بعثة مدفوعة الثمن على نفقة الحكومة الفرنسية لمدة ٨ سنوات إلى نيس فرنسا لدراسة جراحة التجميل إلا أن أستاذي البروفيسور عدنان مفتي قال يا ابني لو ذهبت إلى هذه البلد لن تعود أبدا صدقني أكمل دراسة البورد هنا ثم قرر، وكان لي ذلك دخلت زمالة الجراحة وحصلت عليها في وقت قياسي ثم انتابني شعور بأن شهادة البورد لم تكن ترضي طموحي فقررت البدء من جديد وحصلت على زمالة الكلية الملكية البريطانية FRCSEd بعد ستة أشهر من حصولي على البورد العربي ومن أول محاولة ولله الفضل والمنة، ثم قررت أن أتعمق في جراحة القولون وبفضل الله تم قبولي كأول جراح سعودي في أكاديمية سانت ماركس في لندن وهي أعرق جامعة في جراحة القولون تعلمت فنون الجراحة وعدت في أواخر ١٩٩٧، وحصلت على وظيفة استشاري كأول جراح للقولون في السعودية، وبفضل الله بدأت أتعامل مع أورام القولون وأرى في كل مريض والدي، عشقت التخصص لدرجة أعجز عن وصفها ،،،،،) ويضيف في إجابته لابنه قائلا: (قلت له ابني الغالي الطب أعظم مهنة على وجه الأرض ولكي تنجح لابد أن تعشقها ولا تعتبرها مجرد وظيفة للحصول على المال، إنك إذا جعلتها هواية وليست مهنة سوف تشعر بطعم ولذة العيش، هي استثمار طويل الأجل المرضى لاينسون أبدا من كان يوما مصدرا لسعادتهم، دعوات المرضى وادخال السرور إلى أنفسهم هي أثمن استثمار ولا تبحث عن المال لأن المال سيبحث عنك ولا تطاردالسعادة لأنها ستأتي إليك، الدعوات التي يطلقها المرضى في لحظات قد لاتكون تراهم أو تسمع دعاءهم سوف تأتيك أينما كنت ولا ولن تعلم متى ستكون أبواب السماء مفتوحة قد يكون هناك شخص يدعو لك في ساعة استجابة قد تغير مجرى حياتك.

يا ابني مهنة الطب مهنة تتعامل مع حياة الناس، نعم نحن مجرد أسباب والشفاء بيد الله ولكن إذا أخلصت النية في العمل فاعلم بأن الرزق والمال والبيت والزوجة وكل ماتحلم به سوف يأتيك إذا أخلصت النية لله.

يابني لا تفكر أبدا أن تصبح مشهورا ولا تبحث عن المنصب ولا المركز لأنها ستأتي صاغرة إليك، ابتسم فتبسمك في وجه أخيك صدقة فكيف إذا كانت في وجه مريض يعتصره الألم هي من أهم أسباب العلاج، أحبب الناس لاتحتقر الناس لسوء خلقهم ولا تجعل الغرور يدخل إلى قلبك، احذر بني من الكسب الحرام، لاتبالغ في الركض خلف المال اقنع بالقليل يأتيك الكثير، لاتعامل المريض على أنه حالة مرضية تقرب من المرضى اسأل عن ظروفهم ساعد المحتاج ولا تذكر إحسانك لأحد ولا تتوقع ولا تنتظر رد الجميل وإن أساء لك أحد قابل الإساءة بالابتسامة.

ابني العزيز لو عاد بي الزمن سنين للوراء لدرست الطب ثم الطب ثم الطب، ليس لأجل المال ولا الشهرة، ابعد قدر ما تستطيع أن تطلب شيئا اترك الأشياء والكراسي تطلبك، لأن من طلب شيئا أوكله الله إليه، ومن طلب إلى شيء أعانه الله عليه، اجعل تقوى الله هدفا لك وستجد لك من كل ضيق مخرجا،

وأخيرا ابني الغالي اختر ماتراه يناسب قدراتك ولا تجعل أحدا يقرر لك ماتريد، واعلم أنه من طلب العلا سهر الليالي.

ابني الغالي اجعل رضى الله هدفك ولا تخشى من سلطة أحد فالأرزاق قد قسمها لك المولى عز وجل والأقدار قد كتبت، ولا تحزن إن فاتك شيء فلعل الله أراد لك خيرا منه أو أنه بقدرته يعلم أنك غير مهيأ له، ولا تبالغ في الأحلام، واعلم أنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس) انتهى كلام استشاري الجراحة العامة في مستشفى قوى الأمن الأستاذ الدكتور محمد العسيري وأنشرها بعد اطلاعي عليها لكي تعم الفائدة فهي خلاصة رؤية إنسانية في كيفية دخول الطب ثم التميز به ثم التعامل مع أخلاقيات المهنة وأرى أنها وثيقة ينبغي على وزارة التعليم العالي توزيعها على طلاب كليات الطب وعلى وزارة الصحة وهيئة التخصصات الصحية بحيث تكون في يد كل طبيب وطبيبة.