أشعر بحزن شديد لما وصل إليه الحال في وطني الغالي في موضوع الحوار وتقبل الرأي الآخر، حيث يتضح ذلك في المداخلات والتغريدات والردود حول أي موضوع يطرح وحجم الكراهية والفحش بالقول والتهديد بأقذع الألفاظ بشكل صارخ ومهين ومؤلم. وكان آخر ما تابعته ما حفل به موقع تويتر من ردود شباب سعوديين على فضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء بعد أن حذر من السفر إلى سوريا ووصف القتال هناك بأنه قتال فتنة وشقاق ويجب على الشباب تجنب الوقوع في متاهات الحرب هناك. ولاحظت حجم الفحش بالقول والسب والشتم لعالم جليل له مكانته وقيمته وهو أسلوب يتخذه هؤلاء التكفيريون في جميع حواراتهم وأطروحاتهم مع من اختلف معهم ويضربون أبشع الأمثلة في الفجور عند الخصومة والتهديد بالإيذاء وقطع الرؤوس دون هوادة وهذا ما يفسره تزايد أعداد سفر هؤلاء الشباب واشتراكهم في المعارك هناك وتزايد قتلاهم بين الفئات المتحاربة هناك. وهو أمر جاء بالتعصب لأفكار عقيدتهم الخارجية التكفيرية وإيمانهم بها والترويج لها بل والموت دونها. إذاً نحن أمام معضلة كبرى تكون كل محاولاتنا للحوار ضئيلة وضعيفة حينما لم تصل إلى هؤلاء الشباب وتقنعهم بالحوار وآلياته وأساليبه وجماليات ما لدينا من روعة وحب ونهضة وتطور في مختلف جوانب الحياة بينما يترك هؤلاء الشباب أعمالهم وجامعاتهم ليغادروا وطنهم ويتنحرون في قضايا عليها الغبش والضبابية وعدم الوضوح. وعندما بدأ الحوار الوطني في المملكة العربية السعودية الذي أعلنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) كان يتوخى توحيد الرؤى والقلوب تجاه قضايا الوطن وخلق الحب والولاء والصفاء بين أفراد المجتمع بحيث تذوب أو تقل أشكال الاختلافات عندما يسود الحوار وتتم المناقشات بكل صراحة ونية طيبة. ولهذا تميز الحوار الوطني بدعوة كافة فئات المجتمع ولم يقصي أحداً، وكان مستوى الحوار صادقا وشفافا وصريحا بل ومذهلا في صراحته وقوة الطرح وعلى الهواء مباشرة دون فلترة أو تحفظ. ولكن للأسف مع مرور السنوات بدأ يخبو والموضوعات تتضاعف وساحات الحوار تتسع وتتعدد إلى مختلف الفضاءات الإعلامية وغيرها.
وشهدنا في السنوات الأخيرة تسلط وزيادة الأفكار الحزبية الحركية التي كشرت عن أنيابها في المجتمع بعد أن كانت تتخذ في تحركاتها الخطوات بعيدة المدى عن طريق المنهج الخفي والتغلغل في المؤسسات التربوية والتعليمية. وأصبح التحرك معلناً ومكثفاً للوقوف بتحزب وتخطيط مسبق عبر وسائل التواصل الاجتماعي واستغلال بعض منابر المجتمع للترويج للأفكار بحدة وتعصب دون احترام الحوار وآلياته. وظهر ذلك في الهجوم الشرس على الابتعاث الخارجي وجامعة الملك عبد الله ودخول عضوات مجلس الشورى وغير ذلك من القضايا المحلية المختلفة. ثم تصاعد الأمر إلى التأثر بحركات الربيع العربي والأصح في نظري (الدمار العربي) واتخاذ مواقف ضد توجهات سياسة الوطن كما حدث في المشكلة المصرية وثورة المواطن المصري ضد حكم حركة الإخوان المسلمين وهو أمر يوضح حجم تغلل الأفكار الحركية المقاومة لأفكار الدولة وخطها السياسي وهي الأدرى والأعلم بمصلحة الوطن بل وإصدار البيانات والتدخل في شئون دول عربية أخرى سواء كانت مصر أو العراق أو سوريا وغيرها. لهذا نحن على مسافة متباعدة في الحوار الوطني سواء كان ذلك تعصباً عقديا أو فكريا أو اجتماعيا أو تعصبا قبليا أو أفكارا سياسية وتكفيرية وتربوية حيث لابد من الحزم في التعامل معها وإعادة صياغة سياستنا التربوية والإعلامية وقطع الطريق على من يستهدف أفكار أبناء الوطن وإلا فإن الطريق للحوار يقف عند أبواب التلاشي لأن النتيجة واضحة عبر الشباب الذي يقتل نفسه وعبر أسلوب الحوار الذي نراه في مدارسنا واستراحاتنا وصحفنا الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وحتى منابر خطب الجمعة. وهنا تعود بي الذاكرة عندما تشرفت بإطلاق أول برنامج تلفزيوني حواري استخدم مفردة الحوار، وهو برنامج دعوة للحوار وذلك في عام 1416 للهجرة عبر القناة الأولى وحقق الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة الخامس للإذاعة والتلفزيون لنصل في الواقع الحالي إلى أن دائرة التعصب تزيد ودائرة الحوار تتلاشى على كافة الأصعدة مع الأسف الشديد.