استلم الكرة من بعيد .. لا يكاد يرى المرمى .. انطلق بكل مهارة .. كان رقصا وليس كرة قدم .. بسرعة الصوت تخطى أول لاعبين .. اعتقدنا أنه سيمرر .. لم نتوقع أن هدفه أن يسجل هدفا .. ولكنه أكمل الرقص والترقيص .. جزمنا أنه سيمرر .. حتى علي داود قال "حيصلحها .. حيصلحها ", ولكنه تجاهلنا وتخطى كل من قابله فرادى ومجتمعين قبل أن يواجه برودوم العنيد ويسددها بكل جمال معلنا دخولنا تاريخ كرة القدم.
قبل كأس العالم 2006 كنت أجلس مع مجموعة من طلاب الدكتوراه في جامعة ليدز ببريطانيا ودون مقدمات تم عرض هدف العويران .. وقفت لاشعوريا .. أحسست أني أطولهم .. أفضلهم .. كل مرة يزداد ذلك الهدف جمالا وروعة .. يبدو أننا نحتاج لوقت طويل لنستوعبه ونعطيه حقه .. اقترب مني زميل بريطاني وقال : "هل تريد شيئا تشربه؟ قهوة ربما" .. صرخ طالب سعودي من بعيد "صدفة .. والله صدفة" .. لم يستطع صديقنا الكويتي تحمل تلك الكلمات .. همس في أذني "ما عمري شفت أحد قادر على التقليل من إنجازاته , و التبجح عليها مثلكم".
اليوم وبعد عشرين عاما من ذلك الهدف الأسطوري .. يبقى سعيد العويران مُهملا بشكل يثير الشفقة .. لم أشفق على سعيد , بل على من لم يستوعبوا إنجازه. لا تحزن ولا تغضب , فقد خلدت اسمك واسم السعودية في سماء الكرة العالمية. لم تذهب مشاركتنا في كأس العالم نسيا منسيا, لأنك علقتها في رقبة الزمن للأبد. تأتي دول وتذهب دول دون أن تُذكر. ولكن السعودية سُتذكر قبل كل كأس عالم .. ستذكر اليوم .. ستذكر قبل كأس 2018 و2022 و2026 , حتى قبل كأس العالم 3000 سيُذكر هدفك يا سعيد.
ما فعلته أكبر من أي تكريم .. أنت كرمت الكرة السعودية .. أنت كرمت الكرة العربية .. فلا تنتظر التكريم .. أنت رفعت رأس الوطن .. رفعت رأس آسيا .. بعد هدفك حصلت آسيا على أربعة مقاعد في كأس العالم .. فلا تنتظر التكريم .. لا شيء يوازي ما حققت .. لا بنتلي .. ولا كاش .. ولا حفل .. ولا مباراة اعتزال .. فالعالم كرمك تكريما مفتوحا .. تكريما دائما .. فلا تتضايق من إهمالنا وسخريتنا من عالميتك .. ولا تتضايق من تناسينا ولا من رائحة أفواهنا النتنة ونحن نقلل مما فعلته .. فهدفك مع مارادونا الاجمل في تاريخ كأس العالم .. أنت من ضمن أهم 100 لاعب في العالم .. أنت من ضمن 34 لاعبا أثروا في كرة القدم العالمية .. كل هذا وتطلب التكريم؟
لو كنت مكانك لشبكت أصابعي ووضعتها خلف رأسي واسترخيت بقية عمري , فما حققته لن يحققه أحد.