وجوه مضيئة صادقة مخلصة انتشرت في الحرم المكي الشريف، وفي الطرق كافة المؤدية إليه، تبذل جهوداً مضنية من أجل تنظيم المعتمرين والمصلين، والحرص على راحتهم؛ حتى يؤدوا عباداتهم بيسر وسهولة. إنهم رجال الأمن الذي يتضح حجم الاستعداد والدقة في الأداء واللطف في التعامل والجدية في العمل، وخصوصاً في وجود نوعيات متباينة، جاءت من كل فج عميق، مختلفة في الثقافة واللغة وأسلوب العمل والتربية ومدى استعدادهم للالتزام بالأنظمة. وهنا تشاهد رجال الأمن العام وقد توزعوا بشكل منظم ودقيق بجميع رتبهم وإداراتهم، من شرطة ومرور وطوارئ خاصة وغيرهم، بلباسهم المميز الذي يعطيك الشعور بالأمن والأمان والاطمئنان. وقد سعدت بأدعية المعتمرين والزوار والمصلين لرجال الأمن بعبارات الشكر والدعاء والتقدير والدعم والتشجيع والامتنان. وهذا يأتي بتخطيط وحرص من مدير الأمن العام اللواء عثمان المحرج الذي وضحت لمساته، ومدير شرطة منطقة مكة المكرمة، قائد أمن العمرة اللواء عبدالعزيز الصولي، واللواء خالد قرار الحربي قائد قوات الطوارئ الخاصة. وفي داخل الحرم تجد اللواء يحيى الزهراني مدير شرطة الحرم وهو يتحرك بنفسه في الميدان محركاً رئيساً للأفراد والضباط. هذا الضبط والربط قلل كثيراً ـ ولله الحمد ـ من حالات أي تجاوز أمني؛ وترى عباد الله يمارسون عباداتهم بأمن واطمئنان. وأول ما يلفت نظرك عند الدخول للحرم تلك الرافعات الضخمة والتجهيزات الهندسية المذهلة عمرانياً التي تقوم بالعمل ضمن مشروع التوسعة الضخم لخادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ حيث أضخم التجهيزات ومعدات البناء وتشكيلات المعمار والرخام والإنارة وغيرها. وبقي أمر مهم في هندسة الحشود واستغلال الفراغات، وذلك بوضع ممرات ثابتة وواضحة، لا يمكن الجلوس فيها، تسمح للمصلين بالدخول للحرم؛ إذ إنه بعد رفع الأذان يجلس البعض في الساحات، ويغلقون الطرق إلى داخل الحرم، وعندما تعبر بصعوبة تجد الفجوات والصفوف الخالية فيما بعد؛ ولهذا ينبغي القيام بحملة توعية لأهمية سد الصفوف، والتقدم للصف الأول فالأول، بعبارات توزع في الحرم مثل توجيهات النظافة، وبلغات متعددة تحث المصلين على التراص وضبط الصفوف، وأن هذا يؤدي لفتح مجالات وأماكن لمصلين آخرين للصلاة في الحرم. وبحمد الله، فإن التوجيه الكريم بفتح أدوار من توسعة خادم الحرمين الشريفين أدى إلى توفير مساحات لأكثر من ستمائة ألف مصلٍّ، لكنها بحاجة إلى رص الصفوف واستغلال الفراغات كافة. وسعدت بالتوجيهات والإعلانات عبر قناة القرآن الكريم المشاهَدَة في كل مكان باللغتين العربية والإنجليزية لحث قاصدي بيت الله الحرام على تأجيل الحج والعمرة حتى تكتمل المشروعات الضخمة لتوسعة المطاف وتوسعة خادم الحرمين الشريفين. ولهذا ما أجمل روحانية الطواف في الدور الثاني في التوسعة الجديدة للطواف، وبالذات لكبار السن وعرباتهم وأبنائهم وبناتهم الذين يدفعونهم بالعربات حيث منظر الكعبة وطواف الطائفين حولها في الدور الأرضي في منظر روحاني عظيم. كما أن هناك مكتباً لمتطوعين شباب للطواف بكبار السن بالعربات، لكن يفضل أن يكون موقعه خارج الحرم لاستقبال المعتمرين عند دخولهم. وتبقى مشكلة العربة لكبير السن عندما يحضر للعمرة؛ إذ إن من يدفع العربات ويتقاضى مائتي ريال، تزيد إلى ثلاثمائة ريال أحياناً، يصر على استخدام عربته، وهنا يبقى كبير السن ومن معه حائراً ماذا يفعل بعربته.
والأولى توفير دافعي عربات باستخدام عربة كبير السن نفسه، التي تعود عليها، وأحضرها معه.
وبعد ذلك أنتقل لما يحدث عند الإفطار؛ إذ تفرش الموائد التي يتسابق أهل الخير لتوزيعها بين صفوف المصلين. وهنا يكون الكرم والأريحية والصفاء وتسابق المسلمين لتفطير بعضهم في أجواء روحانية عظيمة، لا يدركها إلا من عاشها في هذا الشهر الكريم. وتبقى مشكلة الكمية الهائلة من مختلف أنواع التمور والألبان والماء وأنواع الأكل المختلفة التي يجري توزيعها في الطريق إلى الحرم أو داخل الحرم ثم يتم أكل بعضها بين أذان المغرب والإقامة، ويتم بسرعة جمع السُّفر التي يكون فيها أكل جيد لم يتم استخدامه، ويتم جمعه كنفايات، وهذا هدر لأنعم الله، ورمي أشياء من الممكن بحث آلية للاستفادة منها؛ حتى لا تتحول إلى حاويات النفايات ـ أعزكم الله. وهنا أسجل شكراً وتقديراً لما تقوم به الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين من عمل دؤوب وجهد متميز وتطوير ملحوظ بحسن إدارة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس ـ وفقه الله.
وأخيراً، تبقى كلمة فخر واعتزاز ببلادي العظيمة وحكامها الذين حرصوا على هذه العقيدة، وعملوا لخدمة الدين، فتم ـ ولله الحمد ـ ما نراه من أمن وأمان ونشر لهذا الدين في جميع أنحاء المعمورة. فاللهم احفظ بلادنا، وأدم علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار، ورُد كيد من يكيد لبلادنا، وأشغلهم في أنفسهم. قال تعالى (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) سورة الحج.