|


فهد عافت
الحب والقراءة
2016-10-12
الكتب تدلُّ على بعضها البعض، وكل كتاب جديد تقرأه، هو الكتاب الذي تقرأ ممزوجاً بكل كتابٍ سبق لك قراءته، بل وممزوجاً برغبتك في كل كتابٍ تتمنى قراءته.
كثيراً ما سمعت، أو قرأت مثل هذه الجملة في رسالة: "أريد القراءة ولا أعرف من أين أبدأ!"، وكلّما طُلِب مني اقتراح كتاب معيّن، أرسلت اعتذاراً، أو تجاهلت الرسالة، قلت وكتبت، أكثر من مرّة، أن اقتراح كتاب معيّن على إنسان لا تعرفه تمام المعرفة، مسألة خطرة، وقد تكون ضارّة، مثل طبيب يكتب وصفة طبية دون فحص، قلت مثل طبيب، فما بالك بمُمْرِّض، وهي أقصى مكانة لرجلٍ مثلي في هذا الأمر!، لكن الرسائل لا تنقطع، من الواضح أن ردّي ليس مقنعاً لعدد كبير من الشباب، ربما معهم حق، لكني مقتنع بأن القراءة مشروع ذاتي، وطريق خاص لا تصلح معه وفيه المناصحات، ولافتات الإرشاد فيه أرخص من الخشب والقماش الذي تُكتَب عليه، بل وأرخص من الحبر الذي كُتبت فيه!، أمر القراءة مثل أمر الحب، لا تجربة تشبه تجربة، لا تشريعات دائمة، ولا قوانين ليست آيلة للسقوط من أرقّ هبّة نسيم!، ربما كان ردّي، رأيي، غير مقنع، لأنه ليس مفهوماً، سأحاول من جديد، وأكتب: القراءة ليس لها بداية، لأنها بدايات دائمة، وأي كتاب تختاره هو بداية صحيحة، لأنه ليس هناك بداية خاطئة أصلاً!، حتى نحكم على بداية بأنها خاطئة، يجب أن يكون للبداية ما بعدها، وبالحكم على هذا الـ"ما بَعْد" نحكم على الـ"ما قبل"، وليس في القراءة ما بعدها سوى القراءة نفسها!، لا يهم أن نقرأ الكتب التي قرأها غيرنا، أخْذ الأمر على هذا المَحْمَل مُضحك لفرط سفاهته، وكأننا لا نقدر على محبة إلا من أحبها "وأحبّتْ" غيرنا قبلنا!، ثم إن كتاباً واحداً يقرأه ألف شخص، هو في حقيقته ألف كتاب وليس كتاباً واحداً، لأن علاقة أي إنسان بأي كتاب هي علاقة خاصة، برضاه أو رغماً عنه هي كذلك!، المهم أن نقرأ كتباً، إلى أن تكتبنا هذه القراءات: ذوقاً، وحسّاً، وفهماً، وظنوناً،
الذي يريد أن يبدأ، يريد أن يصل، والقراءة مثل الحب: خفقة القلب ليست البداية فقط، لكنها الوصول أيضاً.