|


فهد عافت
الكلمات.. الكلمات!
2016-11-05
لن ترى العالم، ما لم تُغمِض عينيك، لتتأمّله!،
ولن تتأمّله دون كلمات، لكن الكلمات جزء من العالم نفسه، لن تتأمل العالم أبداً دون كلمات، لكنك لن تتأمل العالم عميقاً، دون أن تتأمّل الكلمات نفسها، ولا يمكن تأمّل الكلمات دون كلمات!،
هذا ما أوجد الشعر، مانحاً إيّاه الصولجان، وهذا سبب ثراء اللغة، ومصدر قوّة الأدب، حتى الفنون التي لا تُنتجها كلمات، مثل الموسيقى والنحت والرسم، هي في حقيقتها ليست سوى كلمات!،
إلا إن بقيت خارج الأثر، وارتضت فقدان التأثير، وهذه عملية فوق المستحيلة بقليل، لا توجد إلا بفناء هذه الفنون، فناءً خالصاً، وفوق ما تحتمله الطبيعة، فناءً لا يكفيه محو وجودها فقط، وإنما أيضاً محو وجود "فكرة وجودها" أصلاً في العقل الإنساني!،
ولهذا نقرأ، القراءة تمنح الكلمة حضوراً مغايراً كل مرة، تقفز الكلمة من جملة إلى جملة، من سطر إلى سطر، ومن كتابٍ إلى كتاب، لا تكون الجملة مختلفة فحسب، الكلمة نفسها تصبح شيئاً آخر، زخماً وطاقةً وتفتّحاً وإغواءً!،
كل حكاية حياكة!،
وكل حياكةٍ مُرَاوَغَة!، وكل مراوَغة رشاقة!،
وكل رشاقةٍ تناغم!،
وكل تناغمٍ موسيقى، وكل موسيقى لون!،
وكل لونٍ تأمّل!،
وكل تأمّل كلمات!،
الكلمات أيسر ما في الوجود، الذي أصعب ما فيه الإمساك بها!،
الكلمات هي التي تُمسِك بنا، ولنُمسك بها نتفلّت منها ونفلت، نصير شعراء، ومحبي شعر، نتنصّل منها لنتأصّل فيها!،
أغنى الناس بها أفقرهم لها، يمتلك أكثرها ليمتلكه أندرها!،
كل فائضِ تعبير: غائض عبير!،
لا تتذاكى عليها لأنك لن تكون ذكيّاً إلا بها!،
الكلمات.. الكلمات، تتوافر، تتكاثر، تتضافر، تتنافر، لتتمكن الدنيا، بلسان شاعرٍ، أو طبيبٍ، قبل تهشّمها بومضة، من كتابة جملة قصيرة واحدة صادقة وحقيقية، جملة ليست مُعبِّرة فقط، لكنها العبور ذاته!