أجلس الرسامُ ياروميل عند الطاولة الكبيرة، وشرع يتصفّح كرّاسة رسوماته: "إنك ترسم الأشياءَ نفسها، قال له، وهو أمر لا يُفضي لشيء"!، مقطع من رواية الحياة في مكان آخر لميلان كونديرا، بعد أسطر يسأل ياروميل الصغير أستاذه الرسام: ولكن، ماذا عساني أن أرسم؟، الرّد: "ارسم خطّاً، ارسم خطّاً أعجبك، وتذكّر أن مهمّة الرسام ليست هي رسم محيط الأشياء، بل أن يبتكر على الورق عالماً من خطوطه الخاصّة"!، محادثة قصيرة تختصر مهمة الفنان، وتُرشد إلى طبيعة الفن، وأتذكّر حكاية الشاعر العربي الكبير أحمد دحبور مع زملائه التلاميذ ومُعلِّم الرسم، أحكيها لكم بلغتي وطريقتي، كانوا صغاراً، وفي درس الرسم، أعطاهم الأستاذ، مدرّس الرسم، أوراقاً، وربما أشياء بسيطة أخرى، وطلب من كل تلميذٍ، تشكيل وردة، آخر الحصّة مرّ عليهم، جميع التلاميذ شكّلوا نفس الوردة، غضب المعلّم، رمى بورودهم إلى المهملات، قائلاً: شكّلتم الوردة التي رأيتم أن تشكيلها سهلاً، هذا ليس فناً، الفن أن يعمل كل واحدٍ منكم على رسم وتشكيل وردته التي يحب، الفن ما نُحب لا ما نستسهل!، ما نريد لا ما نعرف!، ما يتمكّن منّا لا ما نتمكّن منه!، بعدها منحهم وقتاً وقصاصات أخرى، وطلب منهم تشكيل وردة، تركهم ولمّا عاد، لقي وردة على طاولة كل تلميذ، كل وردة مختلفة عن صاحبتها، وليس من بين كل هذه الورود، الوردة الأولى سهلة التشكيل، التي سبق للمعلِّم رميها في المُهملات، بخطوٍ بطيءٍ لا يُبشِّر برضا، اتجه المعلّم إلى طاولته، ولمّا أعطاهم وجهه، قال بغضب أقل، وبحكمة أكبر: الخوف لم يفارقكم بعد، لو أنه فارقكم، لشكّل واحد منكم على الأقل، نفس الوردة الأولى، فهي جميلة وتُحب، لا بد أن أحدكم أحبّها، أيضاً ليس من الفن إقصاء ما نُحب، لأنه سهل التشكيل فقط، أو لأننا متمكنون منه فحسب!،..
قُضي الأمر الذي ليس له انقضاء!.
قُضي الأمر الذي ليس له انقضاء!.