|


فهد عافت
حكاية الحكاية!
2016-12-21

الناس حكايات، الإنسان ليس سوى حكاية، والنهاية نقطة، علامة استفهام، أو علامة تعجب، قبر، وشاهدة، بعض الناس تنبت فوق قبورهم شجرة، مثل قليل من الحكايات التي تنتهي بفاصلة، الشجرة حكاية جديدة، لغصن، أو لطير، الغصن حكاية زارعٍ أو حاطب، والطير حكاية صيّاد، وكذلك الحكاية المنتهية بفاصلة، إن انتهت الحكاية، انتهت!، الفاصلة هنا ممر لحكايات يمكن لها أن تبدأ دون أن يُرَدّ شيء منها، لما قبلها، بعض الفواصل نقط مُكابرة ليس إلّا!.

 

القول الشهير: "من خلّف ما مات"، رغبة في محو النقطة، في وضع فاصلة مكانها، إلحاح على بقاء، ليس في الوهم، لكن في الحكاية!.

 

يأخذ الإنسان، أول ما يأخذ، اسماً، يُلَفّ في خِرْقة الكلمات، وتبدأ الحكاية، ليس صحيحاً أنه وفي غياب الأسماء لا يمكن لنا التعرف على بعضنا البعض، كان يمكن للناس استخدام الأرقام، لكن الرياضيات معادلات وليست حكايات!، لذلك نأخذ أسماءنا، ولذلك كانت القصص والروايات جزءاً أصيلاً، في حياة الشعوب والأمم، قد تتقدم عليها الموسيقى، وغالباً ما يعلو الشعر، في قيمته، وفي رواجه، عليها، لكن الحكايات لا تموت، وفن القصص لا يمكن إقصاءه، وفي القرآن الكريم أحسن "القصص".

 

قد لا تكون الرواية أعلى الفنون والآداب، لكنها أكثرها رسوخاً، وأقدرها على البقاء، وفي وضعٍ ما، أمكنةٍ ما، أزمنةٍ ما، يُمكن للموسيقى والشعر والرسم والنحت، أن تُطارَد، أن يُحكم عليها بالحبس، أو الإعدام، أو النفي من الأرض، أما الرواية فلا، حتى لو لم تُكتب، فإنها تُروى!، ذلك أن الإنسان نفسه ليس إلا حكاية.

 

صحيح أن الرواية ليست حكاية فقط، لكنها حكاية في الأساس، وكل حكاية قابلة لأن تتحوّل إلى رواية، إلى أدب، من هنا يأخذ الأدب قيمته الراسخة، إنه ليس فضفضة، بل فضاء، وهو ليس تتمّة، بل أصل الحياة، حتى وإن أتى بعدها، حتى وإن لَحِق بها، لولاه، لا تكون هناك حياة أصلاً، على الأقل لن تكون هناك حياة إنسانيّة، الكلمات هي كل ما لنا وهي كل ما علينا، ربما لا نكون أسماءنا، لكننا لولاها لا نكون، حتى العدم، لو لم نمنحه اسماً، لما وُجِد، بل ربما هو غير موجود، لكننا أوجدناه باختراعنا لاسمه، منحناه اسماً يعني اللاشيء، فصارت له حكاية اللا شيء!، وأظن أن كلمة اختراع هنا، خاطئة، ومتبجّحة، الكلمات فينا قبل أن تلدنا أمهاتنا، وهي هبة إلهيّة، نعمة من الله سبحانه الذي علّم آدم الأسماء كلها.

 

الفنون والآداب كلها مهمّة، وحين نتحدث عن أهميتها، لا عن جمالها، فإن القصص هي أكثر الفنون والآداب أهميّة، قد لا تبقى بعدنا، لكننا قبلها لا نكون، مقولة " أنا أشك، أو أنا أفكّر، إذن أنا موجود"، هي في حقيقتها: أنا أدخل الحكاية إذن أنا موجود!.