|


فهد عافت
الإعلام المصري السّايب!
2017-01-03

يُوجد؟، نعم يُوجد في الإعلام المصري شرفاء، أحرار، لكن عددهم قليل.

 

وهم خارج حسبة ما سيأتي:

 

الإعلام المصري، اليوم، في مجمله، ينقسم إلى قسمين: مربوط ومُنفلِت!، مُوَجَّهٌ وسَايِبْ!، ومع خلطة، أظنها للأسف، سياسيّة، يمارس كل مربوط موجّه أحياناً دور المنفَلِت السّايب، والعكس صحيح!.

 

تحاول الحكومة المصرية إنجاز عمل ما، وما أن تنجح في نصفه، حتى يتم التطبيل لها من قِبْل هؤلاء، بامتداح نصف المُنجَز، وكأنه فوق ما وُعِدَ به وما حلمت به الملايين بأضعاف مضاعفة!، والنتيجة على رأس الحكومة، فما أن يخرج الناس للشوارع، لرؤية المعجزة حتى تخيب ظنونهم، فلا يرون حتى ما أُنجِز فعلاً، ولا يمنحونه أي تقدير!.

 

وحين تختلف الحكومة في سياساتها، مع دولة أخرى، يتم اللجوء إلى التسيِّب والانفلات بحجة حريّة التعبير!، وهات يا ردح!، إعلامٌ من فرط تفاهته راح يتعامل مع فشل الانقلاب في تركيا، وكأنه ضدّه: حتى لو لم تكن على رأس مصر بطحةٌ أوجدوها!.

 

للأمانة لا ملامة لما يمكن تسميته مجازاً بالثورتين، على هذه "الثوارة"!، ولا فضل لها في هذه الرذيلة!، إنها تركة عهد حسني مبارك، الذي فرّغ الإعلام المصري والثقافة المصرية، قدْر استطاعته، من كل المحابِر والمنابِر، المفكِّرة والمتمتّعة بالموهبة والنبوغ!، ما يُلام عليه الحكم المصري اليوم، ملامةً تتجاوز العتب وتقترب من الاتّهام، وضوح رضاه وإعجابه بمثل ـ ومحاولته الاستفادة من ـ هذه الترة الإعلاميّة الخائبة، والتي سبق أن هزمتها زاوية صغيرة في جريدة جزائرية أصغر، بسبب مباراة كرة قدم!.

 

انفلات يوسف زيدان، ويوسف الحسيني وأمثالهما ضد السعوديّة، لا يدلّ فقط على تربية ليست حسنة فقط، لكنه وهذا هو الأهم، يدل على جهل مضحك لشدّة ما يستوجب من البكاء!، جهل في قراءة نصف قرن سابق على الأقل، حيث قيمة مصر في السياسية، وقيمتها في الوجدان السياسي العربي تحديداً، وكذلك قيمتها الثقافية والإعلامية!.

 

أمور كثيرة تغيّرت يا سادة، ليس في مصر فقط، ولا بسبب مصر فقط، لكن لأسباب إقليمية ودولية كثيرة، وضخمة، حتى ليبدو لك حين تتابع كثيراً من الإعلام المصري أنك تتابع أهل كهفٍ، نهضوا للتو من نومهم، ولم يستوعبوا شيئاً بعد!، نعم، كان الإعلام المصري مؤثراً، في عهد عبدالناصر، ليس الإعلام فقط، كانت مصر مُشعّة، باستغلال الضباط للتركة الملكية في مصر، والتي أنتجت معظم وأجلّ عباقرة مصر، من طه حسين إلى عبدالوهاب، وبينهما ومن ضمنهما الضباط الأحرار أنفسهم!.

 

وكانت القوميّة العربية حاضرة في الوجدان العربي كَحَلٍّ أصيل، وكملجأٍ آمِن، غير أن هذه القوميّة، ووجدانيّاً على الأقل، لقيت مصرعها، مع أول طلقة رصاصةٍ وُجِّهت للكويت من صدّام حسين!.

 

بعدها تكشّفت أمور، وعُلِم علم اليقين أن المملكة العربية السعودية، هي صاحبة الدور الأكثر فاعلية، والحلول الأكثر نجاعة في المنطقة، بقيادة أحد أهم نوابغ الحكم والسياسة الملك فهد (رحمه الله)، وما أن حُرِّرت الكويت، حتى انقلب الإعلام العربي، سياسياً بريادة قْطَرِيّة "قناة الجزيرة"، واجتماعيّاً بريادة سعودية، حيث اقتحمت المملكة الفضاء بمحطات فنية ورياضية واجتماعية، تميزت في معظمها بالحرفية العالية، بعد ذلك بقليل استفادت أبوظبي تحديداً من حرفية الجزيرة، وقدمت نشاطاً إعلامياً وإخبارياً مُعتْبراً، قبل أن تعلن قناة العربية بثّها، وصارت منافسات التفوق خليجية خليجية، ولم تتحرك مصر خطوة واحدة، إلا بعد الصدفة التي أنتجت قناة دريم المصرية، والتي يمكن اعتبارها أول عمل إعلامي فضائي مصري يتفهّم المتغيرات، ويحاول مواكبتها، بعدها ظهرت قنوات إعلامية مصرية جيدة بعض الشيء، مع تراجع كبير لقناة دريم نفسها!.

 

المهم أنه ومع عهد عبدالناصر وإلى منتصف عهد السادات (رحمهما الله)، نعم كان الإعلام المصري الأكثر قوة على المستوى العربي، بمساندة من الفعل المصري المتقدِّم وقتها في كافة المجالات تقريباً، في ذلك الوقت كان يُمكن لأي "لعلعةٍ" التأثير، اليوم تغيرت الأمور، ليس كثيراً فقط، ولكن إلى حد الانقلاب التام!، وصار الحل الوحيد للإعلام المصري هو تقديم أصوات مفكِّرة، ثقيلة الوزن، أو خفيفة الطينة، المهم أن تكون قادرة على الإقناع، وهادئة في طرح أفكارها، وهو ما لم يحدث، لأنه فيما يبدو غير موجود بنسبة كافية تواكب الزمن والمرحلة!.

 

أخيراً، نعم سبق لي أن امتدحت يوسف زيدان تحديداً، وكتبت عن أعماله الروائية، واليوم أكتشف أنه سلّة مهملات!، من يلمِّح أو يهدد أو يطرح فكرة غزو السعودية، ليس سلّة مهملات فقط، لكنه... بـ"بردعة"!، وبالمناسبة فإن الآخر يوسف الحسيني أخذ من يوسف زيدان دعوته التافهة وطبّل بها بعده!، وقطعاً أنا آسف للجميع عن كل كلمة طيب قلتها في حق يوسف زيدان، لكن ماذا أفعل: حتى إبليس، وهو إبليس، كان له ماضياً مُشرِّفاً وجميلاً!.