أنا واحدٌ ممن يحبّون زين الدين زيدان، لدرجة أنهم يظنون معرفتهم لخافياته، لأحاسيسه وعاطفته.
لم أحب مبدعاً في حياتي كلها، أكثر من المتنبّي في الشعر، وفيروز في الغناء، وزيدان في الرياضة، وأظن أنني فيما لو بُحت بمحبّتي هذه، لحُسِبتُ مجنوناً، أعرف كثيراً من سلبيّات هذا التطرّف العاطفيّ، لكنني لا أقدر على مقاومتها، والأدقّ: أنني لا أُريد!.
الدنيا كلّها ظالمة لأن المتنبّي لم يُنصَف بعد!.
ولا يحق لشاعرٍ الشكوى من ظُلمٍ أو حَيْفٍ قبل تَسْوِيَة الأمر فيما يخص المتنبّي، حياته وشعره!.
عن فيروز، سُئلت مرّةً: من تتمنى أن يغني كلماتك من أهل الفن؟، ذكرت أسماء ليست من بينها فيروز، سُئلت عن استبعادها، فقلت: لفرط القُرْب!.
صوتُ فيروز أطيب من أن يغني كلماتي، لأنني لم أرض بعد تمام الرِّضا عن قصيدة لي، ولا أقدر على تخيّل فيروز تغني شيئاً أعرف نقصه وعيبه، أو على الأقل لا أشعر بتمامه!، ثم إنها خُلقت لتعطيني لا لتأخذ مني!.
زيدان حكاية أُخرى، هذا بائع الحلوى الذي يُعيدني إلى طفولتي، أكثر من أي شيء آخر، وهو ليس أفضل لاعب كرة قدم بالنسبة لي، بل أكثر من ذلك، إنه فكرة كرة القدم، الفكرة نفسها!، إنه خيال اللعبة، وخيال خيالها!.
حزنت لفراقه لاعباً، حزناً أستحي من وصفه أمام الناس، أقل ما يمكنني قوله أنني بكيت بحرقة، ولكنني ظللت أتابعه، ويعلم الله أنني دخلت عالم الكمبيوتر أصلاً، من أجله، من أجله فقط، وحتى الآن لا يكاد يمر يوم حتى أستعيد له مشهداً عبر اليوتيوب!، وأشعر أني أتعلم شيئاً جديداً في الحياة عموماً!.
وقبل فترة كان زيدان حاضراً في دبي، وكان من المشرفين على ترتيباته أصدقاء لي، يعرفون مدى عشقي له، قال لي أحدهم، سأرتب لك موعداً للالتقاء به، فَرِحْتُ دقائق، ثم طلبت من صاحبي أن لا يفعل!، سألني السبب، قلت: أريده أن يستمتع بوقته، لا أريد أن يكون وقته مزحوماً بي!.
أتابعه اليوم كمدرّب، وقد كنت خائفاً من عدم نجاحه، كنت أقول: العباقرة لم يكونوا يستمعون لتكتيكات وخطط، كانوا يعرفون ما يجب عليهم القيام به منذ الصغر!، وأشعر اليوم بسعادة غامرة لخيبة ظنوني، وافتقاري إلى الرأي السديد!، أشعر بما هو أكثر: زيدان يبادلني المحبّة عبر نجاحه وتفوّقه!.
وعنه كمدرب أكتب: زيدان وزّع على لاعبيه عزيمته، منحهم الرغبة والإصرار، وحسناً فعل لأنه لم يحاول منحهم تفانينه، فموهبته ليست لأحدٍ سواه!.
الرأي الأكثر حصافةً كان لصديقي فارس عوض، سألته فأجاب: ربما لأن زيدان حتى حين كان لاعباً، كان لاعب مجموعة، يعرف كيف يجعل من العشرة الآخرين أكثر جمالاً مما هم فيما لو لم يكن بينهم!.