يوما كنت في السجن، الغرف ضيقة ومزدحمة، والرطوبة خانقة، وكان المحظوظ فينا مع كثير من النشاط والمبادرة، يمكنه أن يكسب بعض الأمور، أهمها إمكانية تنظيف الحمامات، لم يكن تنظيف الحمامات عقوبة، كان مكافأة، فمن خلال هذا العمل يمكن للمجموعة المختارة، أن تخرج من الضيق لساعتين على الأقل، كما يمكن بقليل من المراوغة الاستحمام، والأهم أنه كان يمكن لنا رؤيّة الحياة مختصرة في الشارع الذي يمكن لنا رؤيته من خلال فتحات مراوح التهوية، وفي الشارع كانت هناك محطة بترول، وفي المساء تحديدا كنت أرى أضواء سيارات يتوقف أصحابها للتعبئة، كنت أقول: السجين أقماره تتدنى، وكنت أقول: كم هو صاحب السيارة غبي، وكم هو عامل المحطة غبي إن كان أحدهما حزينا والدنيا كلها لديه.
لم أكن أعلم أن الله سبحانه كان يغرقني بنعمته وفضله في تلك اللحظات بالذات.. عرفت ذلك فيما بعد، بعد أن أكرمني الله بالسعودية، التي احتضنتني بالحب والعز والكرامة وكل خير بفضل من الله سبحانه، ويوم صارت الأمور إلى ما صارت إليه من الخير والحمد لله، صرت كلما ضاق صدري أتذكر ذلك المشهد، وأقول لنفسي: ألا تخجل، ألا تستحي من ربك، هل تذكر ما كنت تقول؟ هل نسيت لحظة كانت أمنيتك الوحيدة أن تمشي حرا في الشارع؟، ولا تنتهي ملاماتي لنفسي إلا وأنا أمشي في الشارع منشرح الصدر أحمد الله، ربما لولا ذلك السجن، لولا ذلك الضيق، لعجزت عن فهم الفضل الرباني العظيم، ليس فقط في ما أنا عليه اليوم، لكن على ما كنت عليه أيضا، كل أمر الله خير، كل أمر الله خير.
حكاية رياضية أخرى، تتكشف لي جمالياتها، ويتضح لي فيها كم كان فضل الله علي عظيما، لولا جهلي وقصِر فهمي، اللهم عفوك ومغفرتك، والحكاية هي فوز الأهلي ببطولة الدوري وبطولات أخرى، وتفوقه الكبير على بقية الأندية في السنة التي لم أكن أعرف أنها الأخيرة لصديق عمري مساعد الرشيدي "رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى بفضله ورحمته"، الآن أقرأ الفضل، منشرح الصدر وأحمد الله، كان مساعد يحب كرة القدم، ويشجع الأهلي بصدق وحرارة وطفولة، وكانت من أمانيه أن يرى الأهلي متفوقا على الجميع لعبا ونتيجة، كم أنا سعيد ولو بأثر رجعي لأن الأهلي حقق لمساعد أمنيته، وفي الوقت المناسب تماما، ماذا لو كسب الأهلي بطولاته بعد فراق مساعد للدنيا؟ ربما كنت سأموت من القهر، ليس على الأهلي لكن على التوقيت.
كل أمر الله خير، كل أمر الله خير.