|


فهد عافت
وهم الإجماع وحقيقة المُنفَرِد
2017-01-23

عن الرأي نتحدّث: كل ما هو إجماع، يرتعب من المُنفرِد!، سلوك يبدو غريباً للوهلة الأولى، لكن هذا ما يحدث، الإجماع الذي يُفترض أن فيه من القوّة ورباطة الجأش، ما يكفي لأن يفيض قبولاً، وعدم ممانعة للرأي المنفرِد، يتصرّف على النقيض تماماً: يُحرِّض بهدف الانقضاض، وينقضّ بشهيّة الافتراس!. 

 

الرأي المُنعزِل، المنفرِد، المغايِر، المُخالِف أو المختلِف، عبر التاريخ، وفي كثير من مجتمعات الحاضر، إما أن يُقلَب أو يُغلَب!، فيما عدا ذلك تظلّ في أحشاء الإجماع رِعْدَة وخوف وقلق وانعدام طمأنينة!. 

 

ويكون الانقضاض سريعاً، لكن ولأنه يُسبق بتحريض، فإنه لا يكون مُباغِتاً!، وتكاد تكون هذه هي لمحة الفروسيّة الوحيدة في مثل هذا الافتراس!.

 

لِم كل هذا الخوف؟!، أظن، أولاً: لأنه من سلوك القطيع في المجتمعات البشريّة، ميل الأشخاص الأقل قيمةً وجدارةً وتأثيراً ومهابةً، وفِكراً، إلى التصرّف بسلوكيات من هم أرقى وأقدر وأنجح وأعلى رتبةً منهم في نفس المنظومة!، المُتَّبِع يميل إلى فعل ما يظن أن المتبوع سيفعله!، ليست كل حركة إلى الأمام مواجهة!.

هناك هروب في تقدّم المُقاد نحو ما يعتقد أنه فكر القائد!، هذا ما يُنتج الرفض الصارخ والغوغائي والجهول أولاً، يُخلَط بالتحريض ثانياً، وبالانقضاض في لمح البصر ثالثاً!، ولذلك فإن أغلب قيادات التطرّف الإرهابية، لا تحتاج في الحقيقة إلى تواصل جسدي مع أتباعها، يكفي إفشاء الرغبة لا السر!، والأتباع يتحركون من تلقاء أنفسهم لتنفيذ ما يثقون بمباركة قياداتهم لنتائجه!، الذي قتل النقراشي باشا لم يتلق أمراً مباشراً من حسن البنّا!، والأمثلة كثيرة!.

 

هناك ما هو أهم وأوجب في القول: الإجماع يرتعب من المُنفرِد، لأنه وفي الغالب ليس هناك إجماع في معظم الأمور التي يتم تحصينها بوصف الإجماع أصلاً!. 

 

الأمور المُجمع عليها حقيقةً، قليلة، وهي بالفعل محصّنة، وآمنة، ولا تخاف على نفسها، لأنها قويّة، في حين أن معظم ما يُقدّم على أنه إجماع، مختلَفٌ فيه وحوله، والقائلون به يدرون أنهم لا يقولون كل الحقيقة، يدرون أنهم يتبنّون وهماً، أو أنهم أدخلوا شيئاً من الوهم فيما يقولون، حتى لو كان ما يقولونه صواباً!، بينما الرأي المُنفرِد حقيقة وليس وهماً حتى لو كان خطأً!.

 

لا يمكن الاستهانة بطاقة "الحقيقة"، كما لا يمكن الوثوق والاطمئنان لطاقة "الوهم"، مهما كانت الحقيقة مُلتبِسة، وغير ممسوكة بحرفيّة عالية، ومهما كان الوهم طيّب النوايا شريف المقاصد، وهو على أي حالٍ لن يكون طيباً وشريفاً إلا وهماً!.

 

صدّعت رؤوسكم، أدري!.