كنت وما زلت أتوق إلى القيام بأعمال صحفية، يمكن لها أن تكون استكمالاً لما حدث وطواه النسيان، أو غيبًا عن قصد، وعلى أن ذلك يمكن أن يكون مشروع كتاب أو كتب يتصدى لها الصحفيون وغيرهم، ممن شهدوا وعاصروا أو أثروا وتأثروا بما جرى على الساحة الرياضية، خلال نصف قرن أو أكثر، إلا أن أقل ما يمكن أن يفعله الصحفي اليوم، هو أن يقوم بمتابعة ما بدأه في اليوم التالي؛ لأنه بغير ذلك سمح للحدث أو من لهم علاقة بالحدث، أن يجعلوا منه منصة لرصد أو قول ما يريدونه فقط، أي نصف الحقيقة أو تقل!.
في حوارات صحفية عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومنها الجديد أيضًا، تفننت شخصيات ونجوم في تصدير الكثير من الآراء والأفكار، وكشفت عن حقائق وفندت أخرى، والتزمت بتحقيق مطالب، حينها كان الصحفي وهو ينقل ذلك في قمة الرضا، بل والفخر المهني، وهذا لا لبس فيه؛ فالصحفي الحقيقي عادة يتنفس من أعماله الصحفية المتميزة، إلا أن العيب الذي يقع فيه الجميع، هو السماح لكل ما انتهت إليه هذه الأعمال أن تذهب مع الريح، دون تقصٍّ لخلق موضوعات وقصص صحفية من الأعمال ذاتها، ربما تفوقها قيمة وحتى إثارة.
الصحفي الذي يكتب تقريرًا أو يجري حوارًا أو ينقل خبرًا أو حتى يطلع عليه، لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي أمام إلحاح الضمير المهني، الذي يفترض أن يدفعه لمتابعة (ماذا بعد)، مثلاً أن يعد مسؤول بتطوير أو تغيير أو دعم أو حلّ لمشكلة، أو يروي حادثة أو يقدم معلومة أو يوثق لأمر (ما)، أو كلها تحتاج إلى إعادة قراءة أو تأكد من الإنجاز، أو أن يقبل أن يكون وسيلة نقل برفع أفراد أو جهات شكاوى أو قضايا أو دعم مالي لطرف آخر، كخبر دون أن يعاود الاعتراف (مثلاً) بعدم تحقق ذلك الأمر، وطرح السؤال على نفسه أمام المتلقي: لماذا وكيف تورط في أن يكون أداة نقل صماء؟ لتبرئة ساحته والحفاظ على مصداقيته.
تقارير وأخبار وحوارات مكتوبة ومسموعة ومتلفزة مر عليها وقت، ربما أيضًا طويل، لكنها لا تزال مغرية جدًّا؛ لأن يقوم الصحفي بالعمل على إعادة تفكيك ما جاء فيها؛ لخلق مادة صحفية مهمة من جديد، أو من تلك التي يمكن ربطها بما يستجد من قضايا لتصبح سياقًا مكملاً، يمكن له أن ينقل المتلقي لجهة حقيقة ما جرى، من خلال عمل يستثمر محتوى متوفرًا لم يتم نفيه أو تصحيحه، يعد ما يعني أنه ملزم لمن طرحه لينتهي العمل الجديد بتعزيز صدقيته أو نسف كل ما جاء فيه.
طبعًا تلك من الأعمال الصحفية السيارة التي يمكن مباشرتها صحفيًّا كل يوم، لكن ذلك لا يحدث، أما لمشاركة الصحفي في الأساس التضليل مع المصدر، أو لحمايته في بعض الأحيان، أو لأسباب تتعلق بضعف المهنية، مع عدم الميل إلى الأعمال الصحفية المعمقة التي تحتاج إلى كفاءة وجهد ووقت وجلد، وتلك لا يمكن انتظارها من إعلاميي اليوم الذين تأكد لهم أن الوصول للشهرة والمال له طرق لا تتطلب البحث والتقصي والمصادر، ومهارة صناعة الأنماط الصحفية؛ الأمر بالنسبة لهم لا يحتاج أكثر مما عرفنا به (أسماء)، وصل صيتها وإن كان سيئًا إلى كل الناس، وهذه مشكلة علينا معالجتها.