المصري الذي فكّر في قناة “ماسبيرو زمان”، أفضل من كل وزراء الإعلام الذين مرّوا على مصر في الخمسين سنة الأخيرة على الأقل!، قد لا يقل وطنيّةً عنهم، لكنه بالتأكيد أطيب فاعليةً، وأعذب جماليةً، وأقرب واقعيةً وحُلُماً!.
“ماسبيرو زمان”، محطّة تلفزيونيّة قليلة الكُلْفة، تكاد تكون بلا كُلْفَة أصلاً!، سبق أن طُرحت فكرتها للتنفيذ قبل سنوات باسم آخر، لكن سرعان ما توقّفت، وفيما لو لقيت “ماسبيرو زمان” المصير نفسه، فإن مصر ستخسر الكثير!، ومصر “مش ناقصة خساير”!.
مصر في عزّها، في عظيم زخمها الثقافي والفني والأدبي و”الأخلاقي” أيضاً، هذا ما تقدّمه “ماسبيرو زمان”، عبر بث حيٍّ لأرشيف ظنّه البعض مات واندثر، فإذا به أكثر حياةً، أو أكثر جدارة بالحياة من كل زمنٍ جاء بعده!.
برامج حواريّة ضيوفها طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، وغيرهم من عمالقة الأدب، وبرامج فنيّة ضيوفها عبدالوهاب وبليغ حمدي وصلاح أبوسيف، وغيرهم من عمالقة المسرح والموسيقى، مصر الإبداع حرثاً وبذراً وسقاية وحصاداً، تستعيد عافيتها عبر ماضيها الذي يسيّله الأبيض والأسود بأناقة الألوان كلها وبرشاقة كل الأضواء!.
مكتبة ضوئية فوّاحة الأطياب، لا تُثرثر ولا تتبجّح، تُقدِّم نفسها وأنفاسها كما هي، دون رتوش، اللهم إلا بعض غبشٍ، وهزّات كاميرا، بحكم الزمن، لكنها في النهاية تقول لك إن الجميل إن تقدّم به العمر، لا يَقدَم لكنه يتعتّق!.
لستُ ممن يتابعون القنوات التلفزيونية، أحب السينما، وأنام على برنامج أنتقيه من اليوتيوب، والتلفزيون بالنسبة لي ملاعب كرة قدم، وبرامج رياضية أو برامج عوالم الحيوانات، لكنني ومنذ أيام لا أنتقل من “ماسبيرو زمان” إلا لأعود إليها، متعجباً بانشراح صدر، من لغة الناس في مصر، وكيف تم تشويهها فيما بعد، ومصر إن زانت زيّنت ما حولها ومن حوّلها، وهي إن شانت شيَّنت ما حولها ومن حولها!.
كم هي لغة الإعلاميين في “ماسبيرو زمان” مؤدبة وهادئة، دون أن تفقد من جسارة الطرح شيئاً، كان الإعلامي المصري يسأل ليعرف، وكان هناك من يعرف ليقول!، وكان مما يقول إنه لا يعرف!.
كانت “ربما” و”أظن” سيّدة الجواب، وكانت الأسئلة بسيطة واضحة وغير مُبَذِّرة!، فإذا كان في الاستديو جمهور، فإنه لا يُلَقّن ما يقول، والتصفيق ليست مُهمّته الأولى!.
زمن فيما لو أعاد عمالقته، فيما لو كانوا بيننا الآن، لما أمكن لنجيب محفوظ أن يُتم جملة واحدة؛ لأن خيري رمضان سيقاطعه لتوجيهه إلى الصواب!، ولما شغل عمرو أديب في بليغ حمدي غير حبّة الخال التي في وجهه، وراح يطالبه بعملية تجميل!، ولسوف يتردد توفيق الحكيم ربما حتى في إرسال حماره لوائل الإبراشي!.