كل كتاب يحمل كلمة "تاريخ" يستهويني، ويصعب أن أعدّ الكتب في هذا المجال، وأعترف بأن أكثر ما يستهويني هو تاريخ ما لا يبدو أن له تاريخاً محدداً!،..
"تاريخ الحب" لسيناك موكو، كتاب مشوّق، لا يكتفي بقراءة المشاعر، لكنه يتناول تطوّر مكانة المرأة خلال العصور وعبر الثقافات، ومن خلال هذه التقدمات والتراجعات، نقرأ المفاهيم الإنسانية للحب، والمفاهيم في الحب أهم من التعاريف!،..
يحكي الكتاب عجائب، وينقل مشاهد رقص وطرائق زواج طريفة، لا يخلو بعضها من مخيفات خفيفة: صخب حفلات الزفاف العربية في الأندلس كانت تتضمن وصول الزوج في المساء، برفقة رجال يتقلّدون خناجر، ويهجم الزوج بخنجره على الفتيات اللاتي يحرسن العروس، فما يلبثن أن يهربن فزعاً، وهكذا يغزو غرفة النوم!،..
وفي الكتاب على طراوة الاسم، سنلتقي بوحشيّة عجيبة ليست من الرجل للمرأة فحسب، بل هنا المُفارَقة، من المرأة للمرأة!، فلم تكن النساء أقلّ وحشيّةً تجاه غريماتهنّ أبداً!،.
ويظل الحب فضيلةً لا يقضي عليها شيء أكثر من الجهل والكسل والإهمال والبهتان!،..
كتاب آخر شديد الحلاوة، اسمه "الشوكولاتة" لسارة موس وأليكساندر بادنوتش، يتناول الكتاب "الشوكولاتة" تاريخياً، فتُذهل من هذه الحلوى العجيبة، ومن مرارات القمع والاستعباد للعاملين بها زراعة وصناعة عبر التاريخ!،.
وقد سبق لحبوب "الكاكاو" أن استُخدمت كنقود!، فإذا ما قمنا، تماشياً مع ما يقترحه الكتاب، بقياس الفترة التاريخية عن طريق الشوكولاتة، فالتواريخ ستختلف، وسنبدأ من القرن التاسع عشر، حيث اقتحام سجن الباستيل، مروراً بحرب الاستقلال في أمريكا الجنوبيّة، إلى الحرب العالميّة الأولى، إلى سيل من الثورات كانت بقيادة مُلّاك مزارع الكاكاو، ولن ننتهي، لا من تاريخ الشوكولاتة، ولا من أوهام الجغرافيا!،..
كتاب آخر لفريد كازارا، يتحدث عن تاريخ التّوابل بعنوان "التّوابل.. التاريخ الكوني"، وفيه للعرب وعليهم صولات وجولات!، وفيه لطائف عن القرنفل الذي يحتاج إلى سلالم لقطفه، وعجائب عن القِرفة التي يرُجِع تلميذ أرسطو، الملقب بـ"أبي علم النبات" واسمه تيوفاريتوس، أصلها إلى الجزيرة العربية، مؤكداً أن العرب يتركون حراستها للأفاعي السّامّة!،..
كتاب آخر، وتخيّلوا مادّته!، يتكلم عن الرائحة، عنوانه رهيف الشاعريّة وأخّاذ: "الرائحة: أبجديّة الإغواء الغامضة"!، وقد خصص الكتاب فصله الأول لتاريخ الرائحة!، بدءًا من استهانة أفلاطون بها، و"تخسيسه" لقيمتها، مروراً بكثير من الفلاسفة الذين اعتبروا أمور الشَّمّ واللّمس دنيئةً وسوقيّةً!، إلى أن تقدّم الطِّب فأنقذ الرّائحة من سمعتها السيّئة!، وإن لم يتمكن لا الطب ولا الكيمياء من شروحات كافية لطبيعة الرائحة الغامضة، وعموماً فإن الناس "لا يحوّلون الإدراك الحسّي الشمّي إلى حُكم عقلي محدد يعقبه سلوك واعٍ مُنضبط، بل الحاصل أن الشَّمّ يدفعنا إلى تصرّفات مَشُوبَة بالانفعال وأحياناً إلى تصرّفات غريزيّة"!،..
وعلى ذمّة الكتاب وعلمائه، فإن قدرة المرأة الشّمّيّة تفوق نظيرتها عند الرجال بمراحل ومن كافّة الوجوه!، ومن تأكيدات الكتاب التي يعلنها حقيقةً لا مجال للشك فيها، أن ما نشمّه من روائح خلال النوم يؤثّر على نبض القلب ونشاط المخ، خاصةً في الهزيع الأول من الليل!، فإن انقضى الليل، هنيئاً لمن يجد رائحة الليمون في صباحاته!،..
كتب أخرى ممتعة، لضيق المساحة، لم يعد بالإمكان غير ذكر عناوينها وخطف جملة: "السمكة داخلك: رحلة في تاريخ الجسم البشري" لنيل شوبين، وفيه ستكتشف أن ما في داخلك عالم الحيوانات كاملاً وليس السمكة فقط!، وكتاب: "تاريخ موجز للزمان: من الانفجار الكبير حتى الثقوب السوداء" لستيفن هوكينج، وفيه ستكتشف أن مهمّة العِلْم كانت دائماً: ما الكون؟، بينما كانت مهمّة الفلاسفة: لماذا؟!،..
حسافة!، نسيت كتاب "تاريخ الكذب"!، لجاك داريدا، يستحق وقفة مطوّلة، يكفينا منه اليوم معرفة أن "الكذب لم يبلغ حدوده المُطْلَقة ليصبح، كاملاً ونهائيّاً، إلّا في عصرنا هذا"!،..
ويظل ألطف وأطيب هذه النوعيّة من الكتب، كتاب بيل برايسون: "موجز تاريخ كل شيء تقريباً"!، ويا له من كتاب ساحر، ذكيّ ومُفاجِئ، حتى إنك "لا تدري ما هو الأكثر إدهاشاً: الحقيقة أم التفكير بها"!.