|


فهد عافت
أَتَهَنْدَمُ.. أَبْتَسِمُ.. وأموت!
2017-02-25

الصورة الفوتوغرافيّة ما قبل التقاطها بأقل من ثانية، هي استعداد لقفزة في المستقبل، ليس هذا ما يُرعبنا فيها، بل ربما كان هذا هو الشيء الذي يدغدغ فضولنا حتى لو مع قليل من الخوف، لكن الذي يُرعبنا حقاً، أن هذه القفزة إلى المستقبل هي في حقيقتها زمنٌ إلى الوراء، وحبس في الماضي!.

 

إذ إنه وبعد جزء من الثانية تصبح الصورة حاضرة، وما إن تحضر حتى لا يعود بإمكاننا رؤيتها والتعامل معها إلا كماضٍ لا يمكن الانفلات منه، وبما أن الصورة زمن إلى الوراء، فهي موت صغير!، ما يرعبنا في الصورة قبل التقاطها هو الموت الصغير!.

 

وأظن أن الموت الصغير الذي تُحدثه الصورة الفوتوغرافية، أكثر رعباً من الموت الكبير أو الحقيقي، وهو أقل رعباً من الموت الوسَطَيّ الذي يُحدثه المشهد السينمائي أو الفيديو!.

 

في الموت الكبير "الحقيقي" لا نرى أنفسنا، قد نحزن لأنفسنا لكننا لا نراها!.

 

في الموت الكبير أكون الجثّة لا من يغسلها أو يصلّي عليها أو يبكي لها ويدعو!، أو أكون أحد هؤلاء وتكون الجثّة لآخر غيري!.

 

لكن في الموت الصغير، الحاصل في الصورة الفوتغرافيّة، أعيش الحالتين معاً، حيًّا أراني ميّتًا وأتأمّلني!.

 

وهذا التأمّل محكوم بشروط الحبس!، وكم هو ضيّق هذا الحبس!.

 

فلا مجال لحركة أو جزء منها!، وهو ما قد يُخفَّفُ وقْعه فيما لو كان هذا الموت وسَطَيًّا عبر مشهد متحرك!.

 

المُرعب في الموت الصغير، وليعذرني النوم، فقد أخذت هذا الاسم منه ومن رولان بارت معًا، وسأعيده إليهما بعد الانتهاء من هذه المقالة!، في الموت الصغير المتمثل في صورتي الفوتوغرافية، المُرعِب والمثير للحنق، أنني أمام حقيقة خالصة لكنها ليست مُنصِفة!.

 

يحس كل واحدٍ منّا بصعوبة إنصاف الصورة له!، ربما يضيق بقساوة عدالتها: كان يمكن لي أن أبتسم أو أتهندم بشكل أفضل!، لكن حتى لو تهندمت وكنت بشوشًا كما أُحب، فإنني أعرف بغياب الإنصاف، إذ إن من في الصورة يظهر على أنه أنا، ويقول لي ولكل من يراها، إنني هذا على الدوام، لأنه لا دوام إلا لهذا الجامد فيها!.

 

الصورة هنا لا تكذب، لكنها لا تقول الحقيقة!، أو أنها تقول الحقيقة وتكذب في اللحظة نفسها!.

 

وكل من ينظر إلى صورة فوتغرافية، أو صورة ثابتة له، يَزُورُهُ إحساس ما، جهراً أو في الخفاء، للحظة أو طوال وقت رؤيته للصورة، وكأنها الصورة الوحيدة له، لا يفكر بصور سابقة أو لاحقة!.

 

ويُرعبه الأمر: ماذا لو أنه لم يتبق مني لمن يهمهم أمري، أو للناس عموماً، سوى هذه الصورة الفوتوغرافيّة؟!، بناءً عليها، ومنها، ستُنسخ آلاف بل ملايين من الصور، لتُلصَق على كل لحظات حياتي!.

 

من هم معي في الصورة سيشكّلون تاريخي، إنهم أصدقاء اللحظة، واللحظة التي التقطتها الكاميرا، صارت حياة كاملة، عبر موت صغير لكنه كامل أيضاً!.

 

وأعترف: هذه هي المرّة الثانية التي أشرع في الكتابة فيها قاصداً الحديث عن كتاب رولان بارت المدهش: "الغرفة المضيئة"، وأفشل، منسحباً نحو خواطر وتأملات خاصة، غير أنه ومن دون أدنى شك، كان لرولان بارت أثر كبير في هذه الخواطر والتّأمّلات!.