أفكارك، تأمّلاتك، خيالاتك، ظنونك، أحلامك،.. إمّا جنّةٌ صغيرة، أو جهنّم ضيَّقةٌ، أو حياة فيها من هذه ومن تلك، والأمر بيدك وفي مقدورك، أنت من تصنع جنّتك هذه بفضلٍ من الله، أو تصنع جحيمك بظلمٍ منك لنفسك، قبل أن تكون ظالماً للحياة والناس، وأنت من تقصقص أجنحة جنتك الصغيرة لتحصل على لا شيء، لا شيء سوى إعادة تكرار لما هو مكرر أصلاً في ومن هذه الحياة!.
مرّةً سمعت الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ يقول ما أحفظ معناه دون لفظه: ليس للحسد عقوبة في الدنيا؛ لأن ذنب الحاسد عقوبة له!، هو طيلة ارتكابه للذنب يتألّم ويحترق ويتكدّر ويضيق صدره وتنغلق عليه الأبواب!.
وأقول لك: إن ظننتَ بالناس خيراً، صاروا خيّرين!، إمّا أن تتكشّف لك فيهم صفات طِيبٍ ومحاسِن كانت خافيةً عنك، وإمّا أنهم يصيرون من أهل الطِّيب بدعمٍ من طيبك وكرمك، ظنك الحسن بهم يغسلهم، ويرش عليهم عطراً، على الأقل ستجدهم كذلك في قلبك الذي بدوره يتحوّل إلى حديقةٍ غنّاء، افعل ذلك من أجلك أنت، من أجل قلبك، فمن العيب أن يكون بمقدورك أحد أمرين، أن تجعل من قلبك حديقة أو أن تسمح لمجموعة من الناس أن تحوّله إلى مزبلةٍ، ثم لا تكون الحدائق خَيارك!،..
ثلاث جوارح، سبحان من أحكم خَلْقَها، وهنيئاً لمن أحكم خُلُقها، اليد وهي ظاهرة، واللسان وهو بيْن ظاهرٍ وخفيٍّ، والقلب وهو خفِيّ!، قد لا تقدر على امتلاك أمر يدك كل الامتلاك، أعني قد تمد هذه اليد للمصافحة فلا يقبل الآخر، فلا تكتمل جنّة اليد إلا بمساعدة الآخرين!، ذلك أن ظهورها قلل من تمام قدرتها على مساعدتك فيما تريد!، أما اللسان فهو بيْن بيْن، يمكنك إخفاءه كما يمكنك إظهاره، وهو على المدى البعيد أنفع وأبقى من اليد!، ذلك أن قوله يمكن أن يُحفظ وأن يمرّ على من يأتون بعدك، وأن يؤثِّر فيهم، بينما ليس لليد في آخر الأمر غير منفعةٍ منقطعة، أو ضيِّقة، اللهم إلا في العلم والبناء، وهما أمران يدخلان في فعل اللسان أيضاً!،..
لسانك، في قدرته على الظهور والخفاء، يحيّرك أمره أكثر من اليد، فهو قد يشهد الزور بالصمت!، من كان هذا فعل لسانه فلا خير فيه أظهره أم أخفاه، ليس سوى جهنّم صغيرة!.
لكن بإمكانك وبإمكاني وبإمكان كل أحد أن يصنع من لسانه جنّةً صغيرة، إن أردنا ذلك، فقد أردناه لأنفسنا أولاً، ولا فضل لنا على أحد، لا أرى ألسنة الناس إلا بيوتاً، وكل من يمر عليها من أهلها، لساني بيت، فإن ذكرت اسم فلان، فهذا الفلان من أهل بيت لساني، إن أظهرته للناس مهلهل الثياب مُعَاب الخُلق، فليس إلا لسوء تربية لساني!.
إن فضحته فليس إلا لأن بيت لساني عاجز عن الستر والإيواء الكريم!، أمّا إن سترته وطيّبته وكشفت فضائله فإنني أكشف عن جنّتي، فإن لم أستطع فليس أقل من ألا أُخرج لساني بسوء، ما لم أقدر على تحويل لساني إلى جنّةٍ صغيرة، فليس أقل من ألا أجعله جهنّم صغيرة!،..
أما القلب، فكله خفِيّ، لا يعلمه إلا الله ثم صاحبه، يمر على الدنيا ويعيشها ويحياها ويخرج منها، وهو وكل ما فيه خفي، حتى إن أظهرته الصور، أو حمله الأطباء بين أيديهم، لا يحملون منه سوى ظاهر لا علاقة له به!.
إنه ملكك، مثله مثل عقلك، حتى إنه يصعب عليّ التفريق بينهما، أقدر على التفريق بين القلب والمخ، لكني لا أقدر على التفريق بين القلب والعقل!.
والمهم أن قلبك ملكك، هديّة الله إليك، لا يقدر عليه من الناس غيرك، أو أنهم لا يقدرون عليه أكثر من قدرتك أنت عليه، فإن كرهتَ أو حقدت أو حسدت أو تمنيت السوء لأحدٍ من الناس، فقد هزموك في معقل دارك، ليس لنا من البيوت بيت أوجب علينا في نظافته وطهارته وتأثيثه والاعتناء به وبساكنيه أكثر من قلوبنا!،..