|


فهد عافت
السعادة صحن "تمّنْ"!
2017-03-08

 

ـ هل الفلسفة سعادة؟ الجواب بكلمة نعم يلمس إحساسي، لكن عقلي لا يمتلك ضمانات مؤكَّدة لمثل هذا الترجيح!،..

 

ـ ما يمكن لي قلباً وعقلاً الظن والشعور به والاطمئنان إليه هو أن السعادة فلسفة!، أو أنه على الأقل يمكن استدراجها والإمساك بها عن طريق الفلسفة، ورغم أن مسألة فهمها ليست مسألة أساسية للحصول عليها، فقد يهب الله سبحانه لكثير من الناس قلوباً سعيدة لا يحتاجون معها لفهم الكيفيّة التي تجعلهم سعداء،..

 

ـ لكني أحسب أن مسألة فهم السعادة، عبر تأملها فلسفيّاً، يمكنه أنه يكون مفيداً جداً لمن يشعرون بفقدانها، أو بعدم امتلاكهم لها، أو بعدم امتلاكهم لمقادير كافية منها، والأكيد أن الأمر يستحق المحاولة، فكل حركة من حركاتنا يسكنها مطمع في السعادة، وتحثّها للمواصلة رغبة في الحصول على السعادة..

 

ـ ليس أطيب من الأسئلة شيء، هذا ما يقوله النهج الفلسفي،..

 

ـ البدء من الإجابات وتتمّة المشوار عبر إجابات دون أسئلة، قد يكون مريحاً، لكنه ليس بالضرورة سعيداً!..

 

ـ يبدو لي أن الراحة شيء، والسعادة شيء آخر، ذلك لأن سؤالاً مهماً طرق الباب: هل الحزن نقيض السعادة؟!، أتدبّر وأتأمّل ويتكشف لي عجب: لا، الحزن ليس نقيضاً للسعادة وإنما الشَّقاء!،..

 

ـ يمكن للحزن أن يكون درجة من درجات السعادة، أو مكوّناً من مكوّناتها، لا أظن أن أباً في ليلة زفاف ابنته لا يودّ أن يخلو بنفسه للحظة ليمسح دمعة حزن، شخصياً حين أفكر بالأمر مجرد تفكير، تغرورق عيناي!، لكنه حزن سعيد، وسعيد لدرجة أنه أمنية تكبر في قلوب الآباء يوماً بعد يوم، وعليه أستبعد أن يكون الحزن نقيضاً للسعادة!،..

 

ـ مع إمكانيّة إضافة سبب آخر، ليس فينا من لم يجرّبه بقْدْرٍ ما، وهو أننا كثيراً ما نكتشف بعد نهاية حكاية ما، أو رحلة ما، أننا كنا سعداء دون أن ندري، ونندم لأننا كنا في تلك الرحلة أو الحكاية أو الفترة مشغولين عن مباهجها لصالح حسرات صغيرة عابرة وليست مهمة أبداً!، كنا سعداء إذاً لكننا لم نكن نعرف ذلك!، وهو ما يتسبب لنا في حزن وندم وحسرة فيما بعد، لمثل هذا الدرس علينا أن ننتبه، وأن نشحذ همّة التّأمّل، فقد نكون في اللحظة التي نشعر فيها بحسرات وندم على ما فات، سعداء في لحظتنا الراهنة، في حاضرنا المُعَاش، دون أن ندري أو أن ننتبه، مثل هذه الغفلة قد توقعنا في لدغة الجحر نفسه مرتين!..

 

ـ السعادة ليست في المال!، جملة صارت مُضحكة ثم زاد الأمر فصارت مدعاة للسخرية لكثرة ما استُهلِكَتْ!، لكني حين أنفض عنها غبار التكرار وببغائية الترديد، لا أجدها خاطئة!، لكن المقولة نفسها مقولة نفي لا إثبات: "السعادة ليست في.."!، ومن هنا استحقّت التهكم عليها، لأن المطلوب ما هي السعادة، وليس ما هي ليست السعادة؟!،..

 

ـ في المقابل، طاف على كثير منا، مقطع الفيديو التي تتحدث فيه أم لاجئة في مخيمات، عن امتلاكها للدنيا وما فيها بوجود صغارها معها ووجود "تِمَّن" لإطعامهم!، والتِّمَّن هو الرّز!، كان حديثها عفوياً وفي صوتها زخم ونغم سعادة مُبكية لفرط مسرّاتها: لو كان الحزن نقيض السعادة، لأُلغيت كلمة السعادة من قاموس العراق!..

 

ـ السعادة فن القدرة على الاستمتاع في ما لدينا لحظة وجوده بين يدينا، والشقي من يظن أن السعادة مختبئة في ما ينقصه، السعادة هنا، وليست هناك، لأن هذه الـ"هناك" لن تكون "هنا" أبداً، افتح الهاء المضمومة في الـ"هُنا"، يتكشف لك الـ"هَنا...ء"!.