- موسيقى فريد الأطرش راقصة ومُسلِّية، وطروبة، أو أنها كذلك في سبعين بالمئة من أعماله على الأقل، حتى إنه يمكن أن يؤخذ عليها أحياناً، خيانتها للدلالة الدّراميّة للكلمات!، ففي حين تبدو الكلمات حزينة، فإن اللحن يبدو راقصاً!،..
- كلمات مثل: “لا اكتب ع اوراق الشجر.. سافر حبيبي وهجر”، حزينة ومُثقلة بالأسى، إلا أن فريد الأطرش يُخرجها لحنياً من عذاباتها إلى مْسَرّات طفوليّة،
- أظن أن عدداً من النقاد الذين تمسكوا بمثل هذه الاتهامات، ظلموه، وأنصفه الزمن، وسيظل يُنصفه، وبإمكاني الآن سماع نفس الأغنية بإحساس آخر: اللحن يتوافر على حزن يفي للكلمات بكامل حقوقها.
- كل ما في الأمر أن ألحان فريد الأطرش لا تُحب العُزْلَة ولا الغرف المغلقة، العزاء موجود، لكنه ليس في صالون ولا في غرفة مُغلقة، عزاء في الحديقة، ودون طرد الأطفال أو منعهم من اللعب فيها أيضاً، هذه هي موسيقى فريد الأطرش!.
- محمد فوزي أيضاً ظُلِم وأنصفه الزمن، ويبدو أنه سيستمر في إنصافه!.
- ألحان محمد فوزي صباحيّة رائقة، وفيها من الظرف واللطافة ما لا يمكن إلا لسمْعٍ متغطرس عدم الشعور به والتفاعل معه!.
- جُملته اللحنيّة قُبّعة ساحر سيرك أطفال، عليك أن تدخل الأغنية بريئاً من كل ثقافة مُثقلة بالبيانات الرسمية ولافتات المنابِر، لتستوعبك وتستوعبها!.
- تبدو موسيقى محمد فوزي فقيرة الشجن، أحياناً تبدو خاليةً منه تماماً!، لكن من قال إن الشجن لازمة لموسيقى أخّاذة طول الوقت؟!، العبقرية في اكتشاف الاستثناء!، وعبقريّة محمد فوزي تحديداً حاضرة في كشف هذا الاستثناء العجيب!.
- موسيقى محمد فوزي مُناغاة أكثر بكثير من كونها مُناجاة!، والمُناغاة هي صوت الأمّ تلاطف طفلها!.
- لحن محمد فوزي يقوم ويلعب ويجلس ويقوم ليلعب من جديد بفعالية المناغاة!، تشعر أن كل ما عدا الإيقاع زخرفة فائضة، لكنها موجودة لحاجة اللعب البريء نفسه إلى مُسليّات أكثر!.
- الإيقاع في موسيقى محمد فوزي يكاد يكون الحقيقة الوحيدة، وكل ما عداه احتمالات وتخيّلات، بمعنى أنه وفيما لو تخيّلنا أن الدنيا فَرُغَتْ من الآلات الموسيقية، من الوَتَر ومن النّاي، فإنه لا يمكن لغير ألحان محمد فوزي البقاء أطول فترة ممكنة!، وفي هذا الفقر ومنه يكمن غِناه وغُناه!، ليس سوى طفل ينتظر وأم آتية بهدايا بسيطة، لكنها هدايا حيّة مُفرحة: “ماما زمانها جايّه.. جايّه.. بعد شويّه.. جايبه لعب وحاجات”!.
-ومرّة أخرى: ماذا عن عبدالوهاب؟!، والجواب نفسه: عبدالوهاب هو هذا كلّه وأكثر قليلاً!.