في المرتين الأخيرتين اللتين حصل فيهما الهلال على بطولة الدوري موسم 2008ـ 2009 وموسم 2010ـ 2012، حسم أمر البطولة قبل ثلاث جولات، وأخرى قبل جولتين من النهاية، كذلك الفتح موسم 2012ـ 2013، أي قبل جولتين، أما النصر فقبل جولة واحدة حسم أمر البطولة موسمين متواليين 2014ـ 2015، لكن الأهلي فعلها الموسم الماضي وحصل على البطولة قبل جولتين، لكن هل لذلك دلالة على شيء؟.
في كل موسم يبادر بعضهم لإطلاق أحكام فنية، تتعلق بمستوى الدوري بشكل عام، أو من خلال ما يخص فرقًا بعينها أو لاعبين أو مراكز، وتلعب الإحصائيات دورًا في تعزيز بعض وجهات النظر، وفي المقابل يجتهد آخرون في الرد على هذه الآراء، خاصة ما يعتبرونه انطباعيًّا بحتًا لا يستند إلى رؤية فنية فاحصة، ولا تسنده أرقام أو مقارنات ومقاربات وغيرها، أما الجماهير فهي تهتم بذلك وقتياً، لكن في النهاية لها حكمها الخاص على الأشياء، فبطولة الدوري إن تحققت قبل جولات عدة بالنسبة لجماهير البطل، دلالة على القوة الفارقة، أما الخاسرون فيرون ذلك نتيجة ضعف المنافسين وهكذا!
عدم تحديد مفهوم واحد يفقد المراقب إمكانية رصد نتائج محسومة، ففي الوقت الذي يرى فيه الشارع الكروي أن خمسة لاعبين أجانب يتقدمون ترتيب الهدافين يعني فقد الأندية للاعب المحلي الهداف، تجد في المقابل أنه لو خلت هذه القائمة من وجود الأجانب لتم اعتبار وجودهم في الأندية عبئًا ماليًّا، وتمت المطالبة بجلب من يصنعون الفارق مع أنديتهم، تماماً كما هي المطالبة بألا يتم التعاقد مع لاعب أجنبي يمكن أن يكون حبيس دكة البدلاء، بحجة أنه تم التعاقد معه بمبلغ مالي مجزٍ، وتطلع لمستوى يخدم الفريق، بينما يحدث ذلك مع اللاعب المحلي، حيث يظل احتياطياً دائماً أو في المدرج، وقد تم التعاقد معه أيضًا بمبلغ مالي كبير، وتعقد عليه نفس الآمال دون أن يجد نفس الاستغراب!.
مركز حراسة المرمى لا يزال يتمتع بحصانة ضد المحترف الأجنبي، والفكرة كانت من أجل حماية هذا المركز ليبقى في متناول المنتخبات الوطنية فرصة الخيارات المتعددة، والتي لن تتوفر لو أن الأندية استعانت بحراس أجانب في مركز واحد في الفريق، فقد يسيطروا عليه ولا يتيحوا فرصة المشاركة لغيرهم، هذا صحيح ولكن ليس دائمًا، إذ هل من المعقول أن تتجه جميع الأندية للتعاقد مع حراس مرمى، أم تلك التي لا تملك ذلك؟ وهل بقاء الحراس أصحاب المستويات المتواضعة إجياريًّا كأساسيين في فرقهم، يمكن له أن يحقق فكرة الحصول على حراس جيدين للمنتخبات؟ وكم لدينا من حارس متميز خلال ثلاثة عقود استفادوا من فرصة الانفراد بالمركز؟ وهل نحن الآن في حالة مطمئنة على حاضر أو مستقبل هذا المركز، الذي لا يضايقهم فيه الأجنبي؟.
الجماهير يمكن لها أن تطلق الأحكام دون أي ضوابط، فهذه متعتها، ومن المؤكد أن هذه الآراء خاصة غير المنطقية تترك أثرًا على الفريق أو اللاعب، لكن من المعيب على المراقب والخبير الفني أن ينطلق في قراءته الفنية لمستوى الفرق أو الدوري أو اللاعبين من منصة المشجع، الذي يعبر عن مشاعر عابرة ووقتية نتيجة مشاهدات لمباراة أو جزء منها، أو تماشياً مع حلقة صراع لفظي يريد الانتصار فيه، ولو على حساب أي شيء..
ليس هناك دوري قوي وآخر ضعيف، هناك بطل ووصيف وفرق تهبط، ولا يوجد في التحليل الفني فريق أو لاعب (ما عندك أحد)، هناك معايير للتقويم وشروط لا بد من توفرها لمن نريد أن نسمع منه، ويقنعنا بأفضلية أو قيمة أي فريق أو لاعب الفنية والتنافسية ومستوى عطائه، أو ما يجب أن يصل إليه من مستوى، كذلك الحد الذي لا يمكن القبول أن ينزل دونه.