|


هدى الطويل
عزاءات الرياضة
2017-04-09

سقراط المحكوم عليه بالموت على يد حكام أثينا، يتهيأ لشرب سم الشوكران، محاطًا بأصدقاء مكتئبين. في ربيع 399 ق. م. بدأ ثلاثة مواطنين أثينيِّين بإجراءات قانونية ضد الفيلسوف. كانوا قد اتهموه بامتناعه عن عبادة آلهة المدينة، وباختلاق بدع دينية، وبإفساد شأن أثينا، وتبعًا لخطورة اتهاماتهم، طالبوا بإعدامه.



تصرف سقراط ببسالةٍ أسطورية. وبرغم إتاحة فرصةٍ له للتبرؤ من فلسفته في المحكمة، اختار الوقوف مع ما كان يؤمن أنه صحيح، لا مع ما كان يعلم أنه سيكون سائدًا. وبحسب توصيف أفلاطون، كان قد خاطب المحكمة بجرأة:

"طالما أنني أتنفس وأملك القوة، لن أتوقف عن ممارسة الفلسفة، وإسداء النصح لكم، وتوضيح الحقيقة لكل من أصادفه.. وبذلك أيها السادة.. سواء برأتموني أم لا، أنتم مدركون أنني لن أغير سلوكي، حتى لو متُّ مئة مرة".



في كتابه المعنون بـ "عزاءات الفلسفة"، يطرح آلان دو بوتون فكرة رئيسية حول الفلسفة وصلتها بالحياة اليومية، حيث إن الفلسفة توسع رؤية الإنسان للحياة، وتجعلها أبسط وممكنة، بل في المتناول. وأن الفلاسفة ـ وبحسب تعبيره ـ قادرون إذا ما ألمّت بك ضائقة ما، على تعزيتك ومواساتك.



فإذا خالفت الناس ونقصت شعبيتك، فإن سقراط يعزيك. وإذا ما شحَّت نقودك فإن الفيلسوف اليوناني أبيقور يعزيك. وحتى إذا أصبحت عاجزًا عن الحركة، فإن مونتين يعزيك. وإذا ما غلبك الإحباط فإن سينيكا يعزيك، وإذا تعبت في مواجهة صعوبات الحياة ومشاكلها فإن نيتشه يعزيك. أما إذا ما أصابتك جرثومة الحب فإن شوبنهاور يعزيك.



لـ "الرياضة" أيضًا عزاءاتها، وهي التي بطبيعة الحال جزء أصيل من هذه الحياة. تلك العزاءات التي تمنحنا تلك المنطقة الدافئة، والقادرة على خلق جو عام مناسب للتفكير، لإيجاد أفضل الحلول الممكنة والموائمة لمشاكل الوسط الرياضي. فحين تفكر بشكلٍ سليم، هنا فقط تكون قريباً من إمكانية الوصول للحلول السليمة. وشيءٌ من هذه الإمكانية يتطلب ـ وعلى طريقة سقراط ـ أن تُخالف "السائد" للوصول الأمثل لحلولك المنشودة.



إن اتباع المنهج العلمي في معالجتنا للقضايا الرياضية، كفيل بتصحيح كثير من المفاهيم "السائدة" في الوسط الرياضي. وهي تلك المفاهيم ذات النزعة الجدلية، حول مواضيع تتعلق بالتنافس الرياضي، والتشجيع، والتعصب، والإعلام.



كثيرٌ من ذلك الجدل الرياضي "السائد" إعلاميًّا، لا يهتم بحسن جودة قضاياه المتداولة، فيدور حول نفسه في "دائرة" مفرغة ومغلقة، ومثل هذا مدعاةٌ لضياع الوقت والجهد. بينما مثلاً من شروط المنهج العلمي في البحث، ولضمان جودة تفسير الفرضيات، ألا تفسر القضايا بشكلٍ "دائري"، أي ألا يكون "تفسيرها" هو ذاته "الدليل" عليها. 



فحين نكون إزاء "قضية" انتحار مثلاً، وحين نسأل أحدهم: لماذا انتحر فلان؟، قد تأتي إجابته على النحو التالي: "لأن لديه رغبة في الموت"، هنا تسمى هذه الإجابة "تفسير" القضية. وحين نسأله مرةً أخرى: ما "دليلك" على رغبته في الموت؟، يجيب: "لأنه انتحر". هنا يأخذ "الدليل" شكله "الدائري" للوصول لنقطة البداية في القضية من جديد، أي أنَّه يتخذ بُعده "الذروي": "فسَّر الماء بعد الجهد بالماء".



أحيانًا تكون "شهوة المعارضة" لمجرد المعارضة، سببًا في تبني الكثيرين في الوسط الرياضي لأسلوب "المداورة" إيَّاه في معالجة القضايا، سواءً بنية القصد أو بشكلٍ عفوي، غير واعٍ أو مسؤول. في تبني خاطئ لمبدأ سقراط في مخالفة "السائد"، حيث ثمة خلط غير صحيح بين الرؤيتين. ويحذر دو بوتون في "عزاء الفلاسفة" من مثل هذا، ويقول: إنَّ ثمة مجازفة أن يحركنا موت سقراط لأسباب خاطئة، إذ قد يعزز إيمانًا عاطفيًّا بصلة قوية بين أن تكون مكروهًا من الأغلبية، أو أن تكون على حق.