ـ رأيي، وقد أكون مخطئاً، أن شبكات التواصل مثل تويتر وسناب شات وغيرهما، ليست أرضاً صالحة للحوار والنقاش، على الأقل هي ليست الأرض الأكثر صلاحاً في هذا الشأن، خاصة فيما يستلزم نقاشاً عريضاً أو حواراً طويلاً!.
ـ مثل هذه الشبكات والبرامج تتيح فقط إمكانيّة عرض الرأي، وصياغة وجهة النظر الخاصة بصاحبها، وهذا شيء طيب ومفيد جدّاً، والأهم أنه "يكفي"!.
ـ فمثل هذه البرامج لا تحتمل أكثر من ذلك في غير حالات نادرة واستثنائية، لا أجد حتى سبيلاً لطرح مثال عنها لأنني لا أعرفها، ولولا فسحة الأمل لقلت إنها معدومة وغير موجودة بالمرّة!، بحكم طبيعة هذه البرامج أكثر مما هو بحكم طبيعة الناس، رغم أن طبيعة الناس لا تسمح بذلك أيضاً خاصةً في التجمّع والجمهرة!.
ـ فالجمهرة تستدعي التأييد العاطفي والتنديد المبني على حكم مسبق لا ينتظر حواراً ولا مناقشة!.
تويتر مثلاً، وما ينطبق عليه ينطبق على غيره، بالكاد يصلح لأن يقدم محاضرة صغيرة، محاضرة لا مُناظَرَة!، يقول كل منّا ما لديه ويمضي، مع إتاحة الفرصة فيما بعد لأن يقول الآخر ما يريد قوله أيضاً، هذه أمور طيبة وكافية، على الأقل قد تُهيّئنا بشكل أو بآخر لحوارات ومناقشات حقيقية وفاعلة في قاعات ومسارح وندوات عامة وجلسات خاصة، أما البحث عن حوار حقيقي أو مناقشة مجدية عبر هذه البرامج التواصلية، فإنني ممن يظنون بعدم إمكانية ذلك وبغياب جدواه أيضاً، خاصةً في مجتمعاتنا العربية التي بالكاد استطاع بعضها على الأقل التعبير عن رأيه!.
ـ أظن كذلك أن الاعتماد على تويتر مثلاً في رصد الآراء مسألة خائبة، وإن كانت الخيبة هنا ليست كبيرة!، ذلك لأنني أظن أن طبيعة برامج التواصل هذه تنجح في صناعة مناخ يخصّها أكثر مما يخص الحقيقة ورغبات الناس الحقيقية، فتويتر مثلاً يصنع حالة من التشنج في الردود أكثر بكثير مما يفعل سناب شات!، يحدث هذا بحكم أن الردود في تويتر مقروءة من قِبَل جميع المتابعين، بينما لا يقرأ الردود في سناب شات غير من كتبها ومن أُرسِلت إليه، مما يُلغي كثيراً من المزايدات الفارغة في سناب شات لعدم الحاجة إليها، في حين تظل الحاجة إليها قائمة في تويتر طمعاً في الحشد وكسب تأييد، وما إلى ذلك!.
ـ ليست لدي نصيحة معيّنة فيما يخص المداخلات اللطيفة والمهذّبة، لكني أنصح من يهمه رأيي ممن تصلهم ردود مشينة ووقحة وغير لائقة، بعدم الرد أصلاً، وبما هو أكثر: بعدم اتخاذ أي موقف من أي نوع، لا حاجة حتى إلى الحظر، أمّا المتابعة من عدمها فحريّة شخصيّة، لن يكون هناك رد شديد التهذيب شديد القسوة أكثر من عدم الرد وعدم التفاعل نهائياً مع مثل هؤلاء، فمن هم هؤلاء؟!.
ـ هؤلاء الذين يشتمون ويسبّون ويلعنون في ردودهم، جهلة وجبناء ليس إلا.
ـ ولأنهم جهلة فإنهم لا يمتلكون رأياً مخالفاً، أو أنهم يظنون أن لديهم رأياً مخالفاً، لكنهم لا يقدرون على التعبير عنه بكلمات ذات معنى، وهم يعرفون في داخلهم أن الحقيقة في غير ما يظنون، لكنهم لا يريدون مواجهة أنفسهم فيواجهون غيرهم بشتائم، وهم يعرفون، أو أن نفوسهم وبواطنهم تعرف، أن من لا يمتلك قدرة على جمع رأيه ورؤيته في كلمات يمكنها الطرح والشرح، إنما هو في حقيقته بلا رأي أصلاً، أو يخاف إنْ هو تمكّن من الطرح والشرح، سهولة إثبات الطرف الآخر لمدى سفاهة وتفاهة هذا الرأي!، هذا عن الجهل فماذا عن الجُبن؟!.
ـ شتم ومسبّة وإهانة البعيد الذي تعرف ويعرف والناس كلها تعرف بعدم إمكانيّة التلاقي المباشر معه، مسألة مضحكة، تشبه تماماً وقوف أحدهم بعصاه عند قبر عنترة بن شداد والصراخ بكلمات تحدٍّ وطلب مبارزة، و: "من أنت يا أسود الوجه حتى يخاف منك مثلي؟!"، وربما زاد الأمر قليلاً وتمّ نبش بعض رمل القبر بالعصا؟!.
ـ لو لم يكن من الأمر غير احتمالية أن ينظر الناس إلينا بهذه الطريقة، ولو بنسبة واحد في المليون، لكان ذلك كافياً لتمنعنا الشيمة والتربية، ولأن يردعنا الحياء والخُلُق عن مثل هذه الشتائم والردود السّيّئة!.
ـ لكني أظن بكثير من الثقة، أن أصحاب مثل هذه الردود جبناء أكثر من ذلك!، وأنهم في الغالب يواجهون في حياتهم اليومية أُناساً يحملون نفس أفكارك أيها المشتوم عن بعد، أو أُناساً يحملون أفكاراً أخرى، لكنها فيما لو كُتِبَت من قِبَلَك أو من قِبَل من لا يمكن لهؤلاء الجبناء التعرف عليهم والالتقاء بهم، لردّوا عليهم بمثل ما ردّوا عليك وأكثر!.
ـ إنهم يهاجمونك لأن في حياتهم من هم مثلك ويمنعهم الخوف من مجابهتهم، إنهم يريدون أن يُظهِروا للناس كم هم أعزاء، هرباً من مذّلتهم التي يُلسعون بأسواطها في حياتهم اليوميّة!.
ـ ولسيّد شعراء الدنيا، قول يلطعهم على قفاهم، ردّده بينك وبين نفسك كلما أساء لك أحدهم عن بعد في هذا العالم الافتراضي، تضحك وتُشفق، يقول المتنبّي:
والعِيَانُ الجَليُّ يُحْدثُ للظَّـنِّ:
زَوَالاً،.. وللمُرادِ: انتقالا!
وإذا ما خلا الجبان بأرضٍ..
طلبَ الطّعنَ وحدهُ والنِّزالا!