|


هدى الطويل
الكافكاويون الجدد
2017-04-23

 

غالبًا ما يكون المرء أكثر أمانًا وهو في القيود، أكثر مما يكون وهو حرٌ طليق" فرانز كافكا. 

 

هل عرف التاريخ كاتبًا سوداويًّا أكثر قتامةً من كافكا؟ لا.. لم يعرف، للدرجة التي يُنسب له المذهب السوداوي المشتق من اسمه والمعروف بـ "الكافكاوية".

 

تدهشك أحيانًا البنية القاتمة لأحاديث البعض الإعلامية على الساحة الرياضية، كافكاويٌ عتيقٌ هنا، وكافكاويٌ صغيرٌ هناك.

 

أتفهم أن تمُر مراهقتنا الرياضية بشيء من الكافكاوية، فالمراهقة مرحلة اندفاع، وتشكيك، يغلفها الفكر المتبني عادةً لنظرية المؤامرة. لكن أن يستمر مثل هذا مع البعض حتى في مراحل متقدمة من العمر، فهذا أمرٌ غير مفهوم.

 

فنظرتنا للأمور تنضج أكثر كلما تقدم بنا العمر، حيث تخبو كثير من الحمم في دواخلنا وتهدأ، ويصبح العقل هو صاحب السيطرة الأعلى في إطلاقنا لأحكامنا تجاه الآخرين.

 

حين سأل "لوركا" الفتاة العابرة بالمقهى: ما بضاعتك؟.. ردت قائلةً: "أنا أبيع ماء البحر". نعم هي تبيع ما يزيد الشارب ظمأً، لا ما يرويه. البعض كذلك.. يظلُّ يُقدِّم المزيد من الأحاديث الإعلامية المشككة في عمل الآخرين، والمزيد من التأويلات الخاطئة، والإحالات التي لا تنتهي، ثم ماذا؟.. لا شيء.

 

يدخلك أمثال هؤلاء في دوامة النصوص الدائرية، أحاديث كانت أم كتابة، تلك النصوص البورخيسية، أو "كتاب الرَّمل" خاصته، حيثُ تُقرأ النصوص كما هي، لا بداية لها، ولا نهاية.

 

أحيانًا تَكتُبُ شيئًا، أو تقوله، لا ليقرأه الآخرون كما هو، بل ليستقرئوا من خلاله ما أردت أن تقوله، أن يقرؤوا "النص غير المرئي" فيه. لكن ماذا عن أولئك "الكافكاويين" من أصحاب "النصوص العارية"؟!.

 

أولئك الذين يفتقدون التفكير في خط الأفق الهارب دائمًا. ذلك الخط "الباعث" لكل انطلاقة. والذي لولاه لماتت الرغبة، في ذات اللحظة التي تتحققُ فيها.