ـ برامج المسابقات الفنيّة، تبدو مُسَلِّية، وإلا لما حظيت بكل هذا الإقبال، الذي له شكل التدافع!.
ـ كما أنها تبدو طيّبة، تكشف عن إنسانيّة نجوم اللِّجان، ومهارة بعضهم، بل وعدلهم غالباً، مثما تكشف عن براءة كثير من المتسابقين ولطافتهم وبريق الحيويّة في عيونهم!،.
ـ وفي الأخير فإن هذه البرامج لا تبدو مؤذيّة أو مسيئة لأحد، كل هذا صحيح، غير أنها ترتكب، دون نوايا مُبيّتة بالضرورة، إساءات للفن والأدب، هي حتى وإن كانت غير مقصودة فإنها غير مُعفاة من النقد والملامة!،..
ـ أوضَحُ هذه الإساءات، والتي لا يمكن للظن الحسن هضمها، تقديم وجبة الفن في صحن الوطنيّة!، في مغالطة ساعية بإرادتها أو رغماً عنها إلى إفساد الذائقة وتزويرها، عبر ضجيج جغرافي، أو طهبلة عشائرية!، بهدف مزيد من رسائل التصويت والإعلانات التجارية، أهداف ماديّة بحتة، فإن لم تكن بحتة فهي ذات مقام أوّل!،..
ـ الحديث عن الوطنيّة في تشجيع الأندية الرياضية يمكن قبوله على سبيل الممازحة والمماحكة ليس أكثر، غير أن إقحام الوطنيّة في الذائقة الفنيّة والأدبية لا يمكن قبوله أبداً، وهو مُعيب حقّاً!،.
ـ أن أصُوِّت لمُشتَرِك في مسابقة غناء، فقط لأنه سعودي أو خليجي، وكل ذائقتي تقول بأفضليّة مُتسابِق آخر، خيانة أحاسيس قبل أن تكون مُجَافاة لعدل!،.
ـ وللحق فإنني لم أتابع برنامجاً شهيراً وناجحاً إلا وسمعت من لجنة تحكيمه رجاءات حارّة واضحة الصدق، تطلب من الناس عدم الاعتماد على هذه المسألة في التقييم، غير أن هذه الرجاءات تَتُوه وتَذُوب في الشكل العام لهذه البرامج!، وسرعان ما تتلاشى كلمة "تقييم" لصالح كلمة "تصويت"!.
ـ حاوَلَتْ الفنون والآداب عبر تاريخها الطويل، الخروج بسلام من الشكل الجماعي للتقبّل!، هي حتى اليوم لا تقدر على صَدّه، لكنها نجحت إلى حد كبير في مساعيها لجعل التأمّل حالة إنسانية، وأرست بالفعل ما يمكن اعتباره قواعد جماليّة عامّة..
ـ وفي المعاجم والقواميس تأخذ كلمة "قاعدة" معنى القرية والمدينة والبلدة والعاصمة!، الأمر الذي يمكن معه القول: إن للفنون والآداب قُراها ومدنها وعواصمها وأوطانها الخاصة بها، وهي بالتأكيد ليست تلك المُحدّدة في كتب ودروس الجغرافيا!..
ـ ما يتم فعله عبر برامج المسابقات الفنيّة هذه، هو استيلاء تجاريّ على أشجار القرية الفنيّة!، هو هدم لهذه القواعد "العاصمة" التي تمّ بناؤها فنيّاً وأدبيّاً عبر مسيرة إنسانيّة طويلة ورائعة!..
ـ تحويل الفنّ إلى طقس اجتماعي شيء، وتحويله إلى طقس جَمَاعي شيء آخر!، الأول طيّب مرغوب، ودليل حضارة، والثاني مُوحِش ميئوس من وعوده الجماليّة، ودليل بدائيّة!..
ـ الفنّ حين يُحَوَّل إلى طقس جَماعي، لا يعود فنّاً، ينتكس عائداً إلى نقطة الصفر، أو إلى ما قبلها: منَاعة ضد أعداء معروفين أو يتم اقتراحهم كل لحظة، وأداة لهيمنة لا لهيام!.