(١)
قبل خمسة أشهر ـ في نهاية نوفمبر 2016 ـ خاض ريال مدريد مباراة صعبة ضد سبورتينج خيخون الإسباني، كان المطر ينهمر بغزارة، واللاعبون يتحركون بتثاقل مزعج، والكرات تتدحرج ببطء شديد، والفوز كان مهماً، وكان عليه أن يحدث، ليبقى "الملكي" الإسباني واقفاً على قدميه فوق منصة الصدارة.. حينها سجل كريستيانو رونالدو هدفي فريقه، أخرج ثلاث نقاط "مبللة" من جيبه، جففها بابتسامته، ثم قدمها للمدرب الفرنسي زين الدين زيدان، وقال له: "خذها أيها القائد، واذهب بِنَا إلى نصرٍ آخر"، ثم راح إلى الجماهير الصاخبة فرحاً، بعد قلق مُرهق من وقوع التعادل، أو زوال الفوز، وقال لهم ـ كمن يُطمئِن مريضاً بحصول الشفاء ـ: "لا تقلقوا، أنا هنا"!.
في صباح الغد، وضعت صحيفة "آس" الإسبانية صورة للاعبي الفريق "الملكي"، وهم يحتفلون بالهدف الثاني، والسماء تصب الماء عليهم صباً، وكتبت العنوان التالي: "كريستيانو كان المِظلَّة".
(٢)
.. والحقيقة أن كريستيانو رونالدو كان دائماً مظلة ريال مدريد، وضالته، كلما كانت الشكوك في الفوز واردة.. يحضر في الأوقات اللازمة، والحاسمة، يسحب عنق فريقه من تحت مقصلة الإقصاء، يحمله على أكتافه، ويصعد به جبل الذهب، إلى أن يبلغ قمته، ثم يصيح بأعلى صوته في العالمين: "لقد فعلتها.. الآن كل هذا الجبل لك".
(٣)
.. وفي الأسابيع الثلاثة الفائتة، خاض ريال مدريد في "الشامبينزليج" ثلاث مواجهات مُتعبة ـ ضد الألماني العظيم بايرن ميونيخ، والإسباني اللدود أتلتيكو مدريد ـ حصد فيها فوزاً تلو الفوز ـ سجل تسعة أهداف، كان نصيب رونالدو منها ثمانية ـ خمسة منها في مرمى العملاق البافاري مانويل نوير.. هل فعلها أحد قبله؟!.
(٤)
حين سئل حارس مرمى المنتخب الألماني نوير عام 2014، وكان يخوض سباقاً شاقاً للفوز بلقب أفضل لاعب في العالم، عن فرصته في القضاء على البرتغالي الساحر، وتجريده من لقبه، قال ساخراً: "أنا حارس مرمى، لا أحب التأنق، والتألق على السجادة الحمراء، والظهور في الإعلانات، إنما أحب الظهور في الملعب بشكل جيد، صحيح أنني أرتدي ملابس داخلية، لكنني لا التقط صوراً لي وأنا ألبسها"، كمن يُعيّر رونالدو بأنه ليس إلا علامة تجارية تجوب العالم "شبه عارية".
(٥)
فاز كريستيانو آنذاك بالجائزة، وبعد عامين أتخم شباك نوير بالأهداف، جعله يغادر الملعبين "عارياً" ومصاباً ـ ملعب الذهاب، وملعب الإياب ـ، مدَّ رونالدو سجادة حمراء طويلة تحت أقدام الحارس ـ بين مرماه وبين بوابة الخروج ـ، وقال له: "اخرج منها، وإلى لقاء قريب".
(٦)
كريستيانو رونالدو، هو أن تكون مدمنًا على الفوز، وأن نرجو لك عدم الشفاء.. في عام 2016 طبع ثلاث قبلات عظيمة على ثلاث كؤوس: كأس أبطال أوروبا لفريقه ريال مدريد، وكأس أمم أوروبا لمنتخب بلاده البرتغال، وكأس أفضل لاعب في العالم.. معه وبه فازت البرتغال بأول بطولة في تاريخها، وأهدى فرنسياً بطولة أوروبية، وأخذ من فرنسا كلها بطولة أوروبية أخرى.. هل رأيتم ظُلماً أعدل من هذا؟! مستحيل أن يكون لاعبًا، إنه طبيب.
(٧)
إنه يرفع الكأس، ويرفع الرأس، ويرفع الأرقام القياسية حتى يصبح الوصول إليها مستحيلاً.. ويزيد على ذلك باستمراره في تكسير الأرقام، والرؤوس، والقلوب.
(٨)
كانت الأرقام صغيرة جداً.. حتى جاء، جعلها كبيرة، ومهمة، وصعبة.. حطم الأرقام كلها، وحين لم يجد مقاتلاً يسل سيفه من أجل أن يقص به رقبته، بارز نفسه، وبدأ في تكسير أرقامه هو، وكأنه يقول للأرقام: أنا أيضاً "رقم"، وأحياناً يجب أن يبدأ العدّ بي، على هذا النحو: رونالدو، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة.. من يفعلها غيره؟!.
(٩)
لكل بطولة كأسها التي يحملها الفائز، لكن البطولة نفسها هل يمكن حملها؟! وكريستيانو رونالدو بطولة، ربما لا يستطيع التاريخ نفسه حملها، فهو أثقل، وأكبر بكثير من أن يستطيع تاريخ كرة القدم حملها وتحمُّلها.
(١٠)
كريستيانو الفاخر.. "ما لهذا العزّ آخر".
(١١)
أخيراً:
سهل جداً أن تكون "متكبراً"..
صعب جداً أن تكون "كبيراً".