سأل المذيع البارع عبد الرحمن الدحيم، الطفل عبد الله (ابن فهد المفرج مدير الكرة بنادي الهلال)، وقد لاحظ دمعة في عينه اليسرى لم تجف بعد: "لماذا بكيت؟!".. ارتبك الطفل، يبس الكلام في فمه، لكن قلبه قال كل شيء: "إنها فرحة لا توصف، فرحة عظيمة"، كان الصغير أكبر من كل الكلمات، وأصغر من أن يوجعه سؤال كهذا.
لم ينتهِ الدحيم عند هذه الإجابة، وإنما باغت الطفل الذي يحتضن أبيه، بسؤال آخر: "أنت سعيد من أجل الهلال، أم سعيد من أجل والدك"؟!.. قال عبد الله بصدق لم يمسسه تريث، ولا تردد قط: "أنا سعيد من أجل والدي"!.. سأله المذيع، سؤالاً ثالثاً، لكنه كان ثقيلاً على طفل لم تطأ الكراهية قلبه، ولم يلوث القهر (بقدميه المتسختين) لسانه: "هل تزعل حين يتكلمون على والدك"؟!.. فقال وقد ملأ الحزن صوته: "أزعل جداً"!.
هذا الحوار القصير، آذاني، آذاني تماماً.. أوجعني، وكأنه شوكة غرزت في جسدي.. الطفل الذي يحب الهلال، ويشجعه بملء قلبه، ويلبس قميصه زهواً به في ليلة عرسه، لم يكن فرِحاً بفوز هلاله، وإنما لأن والده هو الذي فاز على كل الذين أساؤوا له، وكانوا يرمون الكلمات المؤذية في طريقه.. كان منتشياً، والبهجة تضيء روحه، لأن والده (البطل) هزم الشتائم التي كانت تدق باب بيته كل يوم، وتقهر زوجته وأولاده.. انتصر على الظنون السيئة به، وعلى القصص المُختلقة عنه، وعلى كل عبارة قيلت فيه أو كتبت، وبدأت بكلمة: "اطردوه"!.
يا الله، يا الله، كيف لم ننتبه أن الكلمات البذيئة تؤلم الأطفال حين تكون عن الذين يحبونهم؟!.. تزعجهم، تولج الغل في صدورهم، وتجعلهم يتمنون لو أن ساعة الانتقام تدُقّ!.
لا يغضب الناس من قول رأينا عنهم، وإن كان حاداً، ما يغضبهم حقاً هو أن نقول هذا الرأي بطريقة "غير لائقة".
لا شيء أسهل من استخدام الكلمات السيئة لانتقاد الآخرين، الصعوبة هي في انتقادهم باستخدام كلمات جيدة.
الكلمات التي تخرج من أفواهنا، هي نبذة مختصرة عما في أرواحنا.. "الكلمة الطيبة صَدقة".. وهل أجمل من أن تصنع من الكلمات مائدة حُب، ثم تقول للناس: "تفضلوا"، وتتركهم يلتهمون منها ما شاؤوا، حتى يشبعوا؟!..
عبد الله بن فهد المفرج.. لتعلم يقيناً أن والدك كان لاعباً شجاعاً، ومخلصاً، ثم صار إدارياً صادقاً، ونزيهاً، ودؤوباً، وبطلاً.. لا تزعل ولا تغضب، ولا ترهق قلبك بالتعاسة والاستياء، ولا تُسلم بهجتك لـ"غصة حزن" صغيرة.. فقط افرح بفريقك، وافخر بوالدك، كلاهما يستحق أن تحتفل به ومن أجله.