|


فهد عافت
كلام قد يجلب المتاعب!
2017-05-13

ـ كيف أحكي عن هذا الأمر؟ كيف أكتبه دون إيذاء أو تجريح لأحد من ناحية، ودون استعراض عضلات من ناحية، ودون أن تكون هذه الحيرة خوفًا ورغبة في المهادنة، ودون أن تكون بجاحة غامزة لامزة في الوقت ذاته؟!، والأهم من كل هذا أن أكتب دون أن أظلم، أو أرمي باتهامات باطلة إلى وسط التجمعات الفنيّة والثقافية.

 

ـ حسناً، سأكتب أولاً: أن الوسط الثقافي الحقيقي والأصيل، يتمتّع أصحابه بالقدرة على احتواء الأفكار ويلتزم بمسؤوليّة احترامها، ولديه من التهذيب دائماً ما لا يسمح بإهانة مُعتقَد أو رأي، غير أن هذا يحدث في قمّة المستوى الثقافي، وهي قمّة لا تتسع للجميع، وبطبيعتها صغيرة وضيّقة كقمّة هَرَم!.

 

ـ الحديث عمّا دونها، عن تجمّعات يدّعي أصحابها، أنهم أهل ثقافة وفكر وفن، يكونون عادةً مجموعة متحمّسة من الشباب، يتّكئون على وجود ما يعتبرونه أستاذاً كبيراً، يبتسم لفلتات ألسنتهم، ويمدّها عبر كلمة أو كلمتين بطاقة تسمح لها بمزيد من التّسيّب!.

 

ـ عادةً لا يكون لهذا الأستاذ قيمة حقيقيّة عند أهل الأدب والفكر الحقيقيين، يكون بين هؤلاء الحقيقيين مجرّد مُضحِك خفيف الظل، ينفلت وينقبض حسب الطلب والحاجة والمُتاح!، المهم:

 

ـ في التّجمعات شبه الثقافية هذه، وأقصد تجمعاتهم الخاصة، سهراتهم، أو جلوسهم في مقهى أو بهو فندق لشرب قهوة ثقافيّة!، يحدث كثيراً، لا دائماً ولا غالباً، لكن كثيراً!، أن تكون فلتات اللسان المستهينة بالعقيدة والدين حاضرة، لدرجة قد تُخيف أي مُشارك جديد لهم فيسكت!، 

أو تغويه لذّة الانفلات وغرائبيّة اللاحدود فيقبل!.

أو يحسب أن هذه هي حقيقة الثقافة والفن، وأنه فيما لو اعترض سبيلها برأي مُخالِف أو احتجاج صغير، فإنه لن يتمكّن من دخول هذا العالَم المُبهِر، الذي يحلم بالانضمام إليه، فيشارك!.

 

ـ والمصيبة أن مثل هذا الوسط المهزوز في عمقه أصلاً، والقائم على كليشيهات فارغة، يسمح لمن يشارك بكلمة تسير في نفس الاتجاه، بأن يقول كلمتين وثلاثًا وأكثر!، مما يُشعِر أي مبتدئ طامح إلى أنه دخل بالفعل في ما يظنه وسطاً ثقافياً أو فنيّاً!، فالكثرة وليس الوفرة هي ما يمنح هذه المخلوقات طمأنينتها الخائبة!.

 

ـ يا ولدي: إن شئت دخول الوسط الثقافي، فإنك غالباً، ستحتاج إلى مجالسة مثل هؤلاء، على الأقل حتى لا تشعر بالغربة أوّل الأمر والعمر!، لكن انتبه: من من هؤلاء له ثقل أدبي حقيقي بعيداً عن ثرثرة الصحافة وبهرجة الإعلام؟!، لا أحد!، فلا تمنح ثرثرتهم قيمة أعلى من كونها ثرثرة مجالس عابرة!، والأهم:

 

ـ لا يخيفك أن قليلاً جداً من الملتزمين دينياً وأخلاقياً نجحوا في تقديم إبداعات حقيقيّة، حتى لو لم تجد أحداً بهذه الصفات أنتج إبداعاً، وكنت موقناً بربّك واثقاً من دينك ملتزماً بخلقك، فكن أنت هذا المبدع!.

 

ـ لا بأس من أن تكون رحب القلب واسع الفكر شاسع الأفق، وتتقبّل منهم بعض هذيانهم المجّاني حول دينك وعقيدتك، لكن لا تسكت ولا تقبل ولا تشارك، دافعاً بهم إلى مزيد من الاستهتار في معتقدك!.

 

ـ قدّم لهم نفسك صافية جسورة، اعترض بأدب المُفرَد مع الجَمع، وبلطافة الضيف مع أهل المكان، وناقش، ستكسب رهانك، فإن لم يسمحوا لك بذلك لكثرتهم، أو لأن انتشاءهم بأنفسهم فاض عن الحد، فاترك المكان!.

 

ـ لا تسمح لأحد بأن يستهزئ بدينك وخلقك، مهما أظهر لك من لطافة وترحيب!، صدّقني يا ولدي: مثل هؤلاء لو كان بينهم يهوديّ؛ لأظهروا له من اللطف وعبارات احترام الأديان ما يفوق الوصف، ولستُ ضد احترام الأديان، ولا أريدك يا ولدي أن تكون ضدّها، لكني أنبّهك: إنهم يتهكّمون على معتقدك، ليقولوا فقط إنه لم يعد معتقدهم!، وليوهموك بأن الإبداع ضد أن تقول: أصلّي وأرجع لكم!.

 

ـ إن كنت مؤمناً بأن موهبتك وثقافتك واستقامتك نِعمةٌ من الله، فحدِّث بها!