ـ الثقافة العربيّة قَبِلَتْ الشعراء، اعتقدت بوجود شياطينهم، لكنها بدلاً من أن تطردهم، مَسحَت بحنانٍ مَرِحٍ متسامح على رؤوس شياطينهم!..
ـ شيطان الشعر محظوظ، بعكس شيطان الموسيقى تعيس الحظ والنصيب، رغم أنهما من صُلْب الوهم نفسه، ومن رَحِمِ النار ذاتها!، بل ومن وادي الجنون ذاته: عبقر!.
ـ يحكي السيوطي في مخطوطة "الوسائل إلى معرفة الأوائل"، أن أوّل من غنّى هو إبليس!،..
و يمكن أن نفهم من الكلام أن أول غناء إبليس كان "شيلة"!،..
لأن إبليس بعد ذلك صنع الزمّارة وعزف عليها وأدمجها في الغناء!،..
ـ ابن لعبون قرأ على الناس قصيدة قال إنه سمعها من الجِنّ، سمعها الناس وطربوا!، وقبله كتب أبو نواس قصيدته التي يُهدِّد فيها الشيطان إنْ لم يستخدم الشيطان حيله ومكائده ويُرْجِع محبوبه إليه فإنه كشاعرٍ موغلٍ في التهتك والانحراف سيرجع عن غيّه، ولسوف يتوب ويُصلّي ويمتنع عن الغناء!، وفي نهاية القصيدة نعرف كم كان هذا التهديد مرعباً، لدرجة أن الشيطان خضع لرغبات ونزوات الشاعر!.
ـ في الطّرف الآخر، يحتفظ التراث بحكاية للطبيب والفيلسوف والموسيقي يعقوب بن إسحاق الكندي، نجح فيها بعلاج مريض، تعافى لوقتٍ كفاه على الأقل لإنقاذ تجارة عائلة كاملة، فعل الكندي ذلك عن طريق مناداته لعازفين مهرة طلب منهم عزف موسيقى ناعمة عند رأس المريض!،..
ـ قُبِل من الشعراء فعل شياطينهم على ما فيه من ضرر، ولم يُقبل من الموسيقيين فعل شياطينهم على ما فيه من منفعة!..
ـ يَقبَل الناس من شيطان الشاعر نزواته وفلتاته، لكنهم لا يقبلون من شيطان الموسيقيّ حتى ابتهالاته وتضرّعاته!،..
ـ قابع في ضمير التراث أنه يُمكن لشيطان الشاعر أن يتوب، فيتقبّلون توبته، بينما لا يتوب شيطان الموسيقيّ، فإن تاب صَعُب عليهم تقبّل التوبة!..
ـ وكما صاحب الشاعر العربي الذئب أولاً، ثم قتله بعد ذلك عند أول فُرصة سنحت للتخلص منه!، ها نحن نرى كيف صاحبَ الشاعر المُغنّي والعازف، وما أن دارت الدوائر حتى انقلب عليهم وتنكّر لهم!.