ـ الطائفيّة مخيفة ومرعبة، غول مُفزِع وشنيع، يمكن التحذير منها ورفضها والمناداة بكنسها، فقط قبل أن تبدأ!، لكنها ما إن تبدأ حتى يصبح أمر الفكاك منها، وتجنّب كُرَبها وغاشياتها عسيرًا!،..
ـ إن اقتَحَمَتْ، حتى من يكتبون رفضاً لها وتحذيراً منها، يدخلون فيها، رغماً عنهم!،..
ـ هي ما إن تقتحم المكان بحرائقها، حتى لا يعود هناك مكان لصوت عقل وحكمة، المُناداة تصير صياح هلع، أو أبواق استنفار، ولا شيء آخَر!،..
ـ الكتابة ضد الطائفيّة، والكلام رفضاً لها، وحتى الأعمال الفنيّة والأدبيّة المناهضة لها، لا تكفي على أهميّتها، لا بد من تشريعات وقوانين حكومية صارمة، فالمسألة أخطر وبكثير من أن تُترك للأخلاق والآراء والأخْيلة!،..
ـ وبالنسبة للفنون والآداب، فإنه لا يمكن لنا توقّع الكثير منها، أولاً لأننا لا نمتلك حقاً أعمالاً فنيّة وأدبيّة فخمة، إلى الحد الذي يمكن لها معه إيجاد أثر حقيقي وفاعل ومتحقق على ساحة الأرض وحركة الواقع، وثانياً لأن المجتمع نفسه ليس مؤمناً بأهميّة الفنون والآداب الأهمية الكافية، وله فيها آراء مُرتبكة، ولديه حولها تشككات!،..
ـ على الفنون أن تتقدّم أكثر، وعلى الناس أن تثق بها أكثر، وهذه مسألة أخرى تعيدنا إلى حكاية أيهما أولاً: البيضة أم الدجاجة؟!، وهو سؤال يحتاج إلى زمن بحثي طويل، لا يمكن الانتظار إلى أن تظهر نتائجه، فالطائفيّة لا تنتظر!،..
وهي ما إن يسمح لها، بغفلةٍ أو تهيّبٍ من مواجهتها، أن تفتح فمها، حتى تبتلع الجميع!،..
ـ ويقيني أن أوّل مجابهة حقيقية للطائفيّة، تكمن في تحديد كلمة "الوطن"، تحديدًا سياسيًّا وليس فنيًّا!، قانونيًّا وليس ثقافيًّا!، شرعيًّا وليس أدبيًّا!، وأن يكون التحديد واضحًا ليعرفه الجميع، ومُلزِمًا ليتحمّل كل فردٍ مسؤوليته تجاهه!..
ـ كلمة "أُمّة" كلمة عائمة، مطّاطة، وهي ما إن تتداخل مع كلمة "وطن"، حتى تبتلع الوطن: حدودًا!، والمواطَنَة: حقوقًا!..
***
ـ قبل أيام، وبعد واحدة من حلقات مسلسل سيلفي، غرّد ناصر القصبي في "تويتر": "نحن اجتهدنا وما زلنا. ويبقى واجب على الطرف الشيعي "فنّانين ومثقّفين"، أن تكون مواقفهم أكثر وضوحًا وجرأةً وشجاعةً في مناهضة الإرهاب"..
ـ رأيي: تغريدة غير موفّقة!، رغم وضوح حسن النوايا!، بل ربما رغم وجوبها، غير أن المخوَّل بالتأكيد على المناداة بهذا الواجب هي الدولة عبر قوانينها ومدارسها ومنابرها الحكوميّة!،..
ـ أمّا الفنّان فهو للجميع، ومن يتابع القصبي ممثلاً، يتابعه كفنّان فقط، وليس كفنّان سنّي أو شيعي!، وإلا لكان الفن نفسه هنا طائفيًّا، والفنان كذلك، وكانت عمليّة التلقّي نفسها طائفيّة أيضًا!..
ـ بمعنى آخر: هذه التغريدة بصيغتها التي هي عليها، حتى إن كانت حسنة النوايا، وحتى إن جاءت بعد عمل فني إنساني وطني مميّز، إلا أننا ما إن نتخلص من قشرتها وسطحها، ونحفر في مستوياتها عميقًا، حتى نصل إلى ذات الفكرة البغيضة، المُقنِّنة لنفسها بهتانًا بموازين طائفيّة قذرة، يستخدمها الإرهابي الطائفي نفسه، إذ يقول: هم اجتهدوا في الإرهاب وما زالوا، ويبقى واجب على طرفنا أن تكون مواقفنا أكثر رعبًا وأوضح إرهابًا!..
***
ـ ليست الوطنيّة طُرفةً، ولا المواطنون أطرافًا!..