ـ لا مسرحيات لنجيب الريحاني يُمكن مشاهدتها اليوم، يُمكن الحكم عليه من أفلامه السينمائية: ممثل سبق زمنه بكثير لدرجة يمكن معها الشك أن زمناً فنياً لاحقاً قَدِر على تجاوزه.
ـ لكنني لا أعرف بالضبط علاقته بمن عملوا معه في المسرح، فالمسرح غُول، ويبدو أنه أحد أكثر المجالات الفنيّة كشفاً للحسد والغيرة، فالمنافسة فيه يوميّة، سريعة الحضور ومكشوفة النتائج.
ـ أحببت فؤاد المهندس كثيراً، وهو بالنسبة لي فؤاد المسرح ومهندسه اسماً وفعلاً، فإن ذهبت مذهب الإعراب قلت: نجيب الريحاني مُبْتَدأ المسرح وفؤاد المهندس خَبَره.
ـ الجميع تقريباً، أخذ من فؤاد المهندس، بعضهم أعاد مسرحياته، وبعضهم قلّد حركاته ونظراته وحتى صمته، وبعضهم أخذ سماحته وفيض كرمه المسرحي، فقد كان فؤاد المهندس واحداً من أقدر النجوم، إن لم يكن أقدرهم جميعاً، على منح بقية الممثلين معه مساحات كافية للإبداع والانطلاق.
ـ كان لعبدالمنعم مدبولي القدر نفسه من الوهج الذي لفؤاد المهندس، غير أن سماحة مدبولي كانت أقل، لم تكن له أريحية فؤاد المهندس، كان مدبولي بطل مسرحية مدرسة المشاغبين، لكنه ومع أوّل انفلات للمشاغبين انسحب، هم خرجوا عن النص وهو خرج منه.
ـ لم يحدث أن تمكّنت مسرحية واحدة من قلب الطاولة على الجميع كما فعلت مدرسة المشاغبين، يكفي أنها قدّمت أهم نجمين في الخمسين سنة الأخيرة، أحمد زكي وعادل إمام، إضافة إلى أن كل أبطال العمل صاروا نجوماً لامعة، ربما باستثناء هادي الجيّار.
ـ الذين أخذوا عن فؤاد المهندس سماحة الحضور، قلّة قليلة، أهمهم اليوم شريف منير وماجد الكدواني وأشرف عبدالباقي، وعن أشرف عبدالباقي يكون الحديث:
ـ قدّم أشرف عبدالباقي فكرة، بدت بسيطة ولطيفة، أسماها "تياترو مصر"، حيث مسرحية أو مسرحيّتين كل أسبوع، مع مجموعة من المواهب الجديدة الشابة التي لا يعرفها أحد، كان أحد أسباب وجود مسرح "تياترو مصر" نضالياً رائعاً، فقد بدأت الفرقة عروضها في وقت متأزِّم من حياة مصر السياسيّة، حيث كل شيء يغمره الخوف والتشكك، كان الخروج إلى الشارع مُخاطَرة.
ـ من هنا بدأ "تياترو" مصر، بقيمة تذاكر بسيطة وفي متناول الجميع تقريباً، العجيب أن المسرح نجح نجاحاً مذهلاً، والجمهور يتزايد كل أسبوع، في البدايات كان أشرف عبدالباقي هو البطل رقم واحد، ولكنه كان في كل شهر يتراجع متعمداً، مطلقاً العنان والخيال لبقيّة الممثلين، فيما بعد صار أشرف عبدالباقي لا يظهر لأكثر من عشر دقائق، الخطّة نجحت، والمسرح ذاع صيته، فنهبت شركة الإنتاج الاسم.
ـ غير أن الممثلين أصرّوا على البقاء مع أستاذهم، وكان كل ما على أشرف عبدالباقي تغيير الاسم، وقد فعل فصار "مسرح مصر".
ـ اليوم لا يظهر أشرف عبدالباقي في مسلسل رمضاني، غاب بنجوميّته وحضر بنجومه، أبطال مسرحه يكتسحون المكان، مصطفى خاطر يُضحك طوب الأرض في مسلسل "هربانه منها" الذي ينفرد ببطولته الرجالية أمام ياسمين عبدالعزيز، وحمدي الميرغني أحد أهم أبطال مسلسل "في ال لا لا لاند"، الذي تؤكد الإعلانات من خلال سيلها المتدفق أنه الأنجح جماهيرياً، بينما يكسب محمد أسامة الشهير بـ "أوس أوس" مع زميلته دنيا محسن الشهيرة بـ "ويزو"، أدوراً بطولية في مسلسل أحمد مكّي الجديد "خلصانة بشياكة"، وكلكم تذكرون "محمد عبدالرحمن" سائق التاكسي الذي خطف الأضواء من عادل إمام في "أستاذ ورئيس قسم"، عمرو مصطفى متولي صار بطلاً سينمائياً، وعلي ربيع صار أشهر من أن يُعرّف، ومحمد أنور وكريم عفيفي في الطريق.
ـ يبدو أنه لكل زمن مدرسته ومشاغبيه، الذين يقلبون الطاولة.