لم يكن الكشف عن الوثائق والتعهدات التي وقعتها قطر عام 2014، أمام الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، مجرد كشف عن أوراق عالية السرية فقط، بل كان كشفًا عن تباين السياستين السعودية والقطرية على مر الزمن.
فمن اطلع على هذه الوثائق التي وقعت أمام زعيم الأمة السابق قبل ثلاثة أعوام، يرى ثبات السياسة السعودية في كافة المواقف وعبر الأزمنة، لا تتغير مع تغير الأشخاص ولا مع التقادم. هي سياسات مستمرة هدفها حفظ مصالح البلاد والأمتين العربية والإسلامية كافة.
توفي كل الموقعين من الجانب السعودي على هذه الاتفاقية، الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ووزير خارجيته الأمير سعود الفيصل، ولكن سياسة السعودية بقيت مستمرة على ذات النهج مع الملك سلمان ووزير الخارجية عادل الجبير.
صبرت السعودية الجديدة أكثر من عامين، هي فترة تولي الملك سلمان مقاليد الحكم على الحكومة القطرية وأميرها تميم، لعل الشقيقة قطر تلتزم بهذه الاتفاقيات، إلا أن ذلك لم يتم، بل زاد تعنت القيادة القطرية وزاد عداؤها ومؤامراتها، مع دعم منابر معادية للسعودية والخليج، تنفذ الأجندة القطرية التخريبية. كما اعترف أحد رؤساء هذه المنابر من المرتزقة قبل أمس، متفاخرًا بالدعم القطري. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل واصلت قطر تحريضها وتدخلها في الشأن الداخلي السعودي ودعم الإرهاب في العوامية، وفي اليمن التي تخوض فيها السعودية عبر تحالف دولي حربًا ضد ميليشيات الإرهاب المدعومة من إيران.
الوثائق التي ظهرت للنور أخيرًا، أكدت ثبات السياسة السعودية وعدم تغييرها تجاه قضايا البلاد والأمتين العربية والإسلامية، حتى في قضية المسلمين الأولى قضية فلسطين، التي يزايد فيها الكثير على مواقف المملكة، ويتهمها بعضهم بالتقصير، ظلت مواقف ثابتة منذ تأسيس هذه البلاد على يد الملك عبد العزيز؛ ففي الحرب سقت السعودية تراب فلسطين بدماء أبنائها. كما حدث عام 1948، ووقفت ضد العالم كله، وقوى الغرب الداعمة لإسرائيل في عام 1973 حين أعلن الفيصل موقف بلاده الذي قلب المعادلة، وجاء بالنصر العربي. أما في السلم فلم تتغير مواقف المملكة، وظلت أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية ماديًّا ودبلوماسيًّا، وفي عصر كل ملوكها.
ولكن في المقابل، كشفت الوثائق الأخيرة عن مدى المراوغة والكذب في سياسات قطر تجاه أشقائها والبلدان العربية؛ فهي تمد لك يدًا مصافحة وتطعنك باليد الأخرى.
فهاهي توقع على الوثائق وتتعهد عبر أميرها تميم من جهة، وتدعم الإرهاب في السعودية وتعاديها من جهة. تلتزم بعدم دعم أي أشخاص أو منظمات أو جهات تعادي السعودية، وتقدم لهؤلاء كافة أشكال الدعم. وهذا الكذب والتدليس هما سياسة سارت عليها قطر في كل مواقفها التاريخية تجاه الأوطان العربية، ولنا في تحالفهم مع الهالك القذافي ضد السعودية ومؤامراتهم المسجلة والمفضوحة معه خير دليل، ففي الوقت الذي كانت تتآمر ضد بلادنا مع القذافي، كانت تدعم وتجهز لثورة ضده.
سياسات قطر أصبحت مكشوفة ومفضوحة، ولم يعد هنالك مجال لا لتجميلها أو تبريرها؛ فهل يعي الشعب القطري ذلك بعد كل ما حدث وظهر؟ هل لا يزالون يصدقون حكومة بلادهم رغم كل ما تم الكشف عنه، أم أن مرتزقة الإعلام من داخل قطر وخارجها ما زالوا يشوشون عليهم رؤيتهم؟ هذا التشويش والدفاع عن أخطاء قطر لن يستمر، وسيعرف العالم أجمع بما فيه شعب قطر الشقيق، مدى تآمر حكومة تميم والحمدين على أشقائهم، ومحاولة نشر الخراب في بلدانهم.