|


أحمد الفهيد
تأكد أنك تركته نظيفاً
2017-07-18

فجأة سقط لاعب «أجاكس أمستردام» الهولندي عبدالحق نوري على الأرض، أصابه إعياء حاد، أفقده القدرة على الوقوف، فاستلقى على العشب الساخن، وأغمض عينيه، وكان يتنفس ببطء شديد.

 

الوضع مربك تماماً، وكما أن وخزات الألم كانت تسري في جسده القوي، فإن وخزات خوف وقلق كانت تطعن قلوب والديه وأشقائه وأصدقائه، وكل الذين كانوا يشاهدون الحادثة المباغتة.

 

حُمل عبدالحق في سيارة الإسعاف إلى المستشفى، وهناك تجلت المصيبة، ونزعت الكارثة الغطاء عن رأسها، إذ ورد في التقرير الطبي أن أجزاء كبيرة من دماغ اللاعب أصيبت بتلف حاد، وأن الأمل في نجاته من هذه المأساة شبه معدوم.

 

ما الذي يمكن القيام به لإنقاذ الوضع؟.. ما المساعدة التي تتوافر فرصة تقديمها، وتكون سبباً في زوال المرض والحزن؟.. للأسف لا شيء .. طبياً يبدو الأمر محسوماً: «لا نجاة من هذا كله، ما يجب عمله الآن هو التعامل مع الإعاقة المفاجئة على أنها وضع دائم»!

 

فإن كان عبدالحق نوري خارج دائرة الشفاء، فماذا عن الذين داخل دائرة الحزن، هل يمكن انتزاعهم منها؟.. نعم، لا يتطلب الأمر شيئاً أكثر من المؤازرة، والكلمات الناعمة التي تمسد القلب بلطفها وعطفها .. لكن الهولنديين فعلوا أمراً إنسانياً عظيماً، يغرس في الروح حقولاً من السعادة، ويُجري فيها أنهاراً من عسل الحب والرحمة، فقد احتشدوا بالآلاف أمام منزله في العاصمة (بينما كان هو يرقد على سريره في المستشفى)، وهتفوا بحنجرة واحدة: «كن قوياً يا نوري»، لم يكن عبدالحق يسمعهم، ولا يراهم، وربما لن يكون بمقدوره ذلك أبداً، لكنهم أرادوا أن يقولوا لوالديه وأشقائه وأقاربه: «نحن نحبه، نحن حزينون مثلكم تماماً، مصيبتكم هي مصيبتنا، وأملكم هو أملنا نفسه، لكننا لا نملك إلا الحب والدعاء، ولهذا نحن هنا الآن، وسنكون في الجوار دائماً، سنكون قريبين منكم»، علموا جيداً أن كلماتهم وهتافاتهم لن تصل أبداً إلى اللاعب المسجى على فراش البلاء، لكنهم علموا جيداً أيضاً أن والديه يسمعان ذلك، ويذهب إلى قلبيهما مباشرة .. إنها محاولة دؤوبة لجرهما خارج دائرة الحزن المؤذية.

 

هذا المشهد المأهول بالإنسانية، والمُنقَّى من دنس العنصرية، وقُبح الصراعات المتطرفة وبذاءاتها، كان شاهداً فخماً على أن كرة القدم مصافحة واضحة بين القلب داخل الملعب والقلب خارجه، حيث تنتصر الإنسانية على كل شيء، ويكون الإنسان هو الفوز الوحيد.

 

أخيراً: كرة القدم «ممر إنساني عظيم»، إما أن تعبره بمهل، أو بأقصى سرعة .. المهم، بعد أن تعبره، تأكد من أنك تركته نظيفا كما دخلته.